مُرَادُ الْمَجْمُوعِ بِقَوْلِهِ يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِإِدْرَاكِهَا، إذْ كَثِيرًا مَا يُطْلِقُونَ الْعِلْمَ وَيُرِيدُونَ بِهِ الظَّنَّ، كَقَوْلِهِمْ: يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ مَعَ الْعِلْمِ بِرِضَاهُ كَذَلِكَ وَيَجُوزُ الْقَضَاءُ بِالْعِلْمِ، وَشَمَلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ نَقَصَ بِسَفَرِهِ عَدَدُ أَهْلِ الْبَلَدِ بِحَيْثُ أَدَّى إلَى تَعْطِيلِ جُمُعَتِهِمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ، إذْ لَا يُكَلَّفُ بِتَصْحِيحِ عِبَادَةِ غَيْرِهِ، وَهُوَ شَبِيهٌ بِمَا لَوْ مَاتَ أَوْ جُنَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَلِخَبَرِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» خِلَافًا لِصَاحِبِ التَّعْجِيزِ، وَلِهَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِمَّا مَرَّ آنِفًا مِنْ حُرْمَةِ تَعْطِيلِ بَلَدِهِمْ عَنْهَا، لَكِنَّ الْفَرْقَ وَاضِحٌ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مُعَطَّلُونَ بِغَيْرِ حَاجَةٍ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ. .
وَلَوْ سَافَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ جُنُونٌ أَوْ مَوْتٌ فَالظَّاهِرُ سُقُوطُ الْإِثْمِ عَنْهُ، كَمَا إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْفَجْرِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ أَوْ الْجُنُونُ. وَمَحَلُّ الْمَنْعِ أَيْضًا مَا لَمْ يَجِبْ السَّفَرُ فَوْرًا، فَإِنْ وَجَبَ كَذَلِكَ كَإِنْقَاذِ نَاحِيَةٍ وَطِئَهَا الْكُفَّارُ أَوْ أَسْرَى اخْتَطِفُوهُمْ وَظَنَّ أَوْ جَوَّزَ إدْرَاكَهُمْ وحج تَضِيق وَخَافَ فَوْتَهُ فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ وُجُوبُ السَّفَرِ فَضْلًا عَنْ جَوَازِهِ (أَوْ يَتَضَرَّرُ بِتَخَلُّفِهِ) لَهَا (عَنْ الرُّفْقَةِ) فَلَا يَحْرُمُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ مُجَرَّدَ انْقِطَاعِهِ عَنْ الرُّفْقَةِ بِلَا ضَرَرٍ لَيْسَ عُذْرًا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: إنَّ الصَّوَابَ خِلَافُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَحْشَةِ، وَكَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ التَّيَمُّمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ إذْ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ فِي التَّيَمُّمِ أَنَّ الطُّهْرَ يَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ، وَفَرَّقَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لَوْ تَبَيَّنَ خِلَافُ ظَنِّهِ بَعْدَ السَّفَرِ فَلَا إثْمَ وَالسَّفَرُ غَيْرُ مَعْصِيَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. نَعَمْ إنْ أَمْكَنَ عَوْدُهُ وَإِدْرَاكُهَا فَيَتَّجِهُ وُجُوبُهُ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ الْقَضَاءُ بِالْعِلْمِ) أَيْ بِالظَّنِّ أَنْ تِلْكَ الْوَاقِعَةَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ ظَنًّا غَالِبًا كَأَنْ حَصَلَ عِنْدَهُ بِقَرِينَةٍ قَوِيَّةٍ نَزَّلَتْهُ مَنْزِلَةَ الْعِلْمِ فَاحْفَظْهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ (قَوْلُهُ: وَلِخَبَرِ لَا ضَرَرَ) أَيْ يَتَحَمَّلُهُ، وَلَا ضِرَارَ: أَيْ لِغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إلَخْ) حَاصِلُهُ تَرْجِيحُ جَوَازِ سَفَرِهِ لِحَاجَةٍ وَإِنْ تَعَطَّلَتْ الْجُمُعَةُ، لَكِنْ هَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْوَاحِدِ وَنَحْوِهِ، أَوْ لَا فَرْقَ حَتَّى لَوْ سَافَرَ الْجَمِيعُ لِحَاجَةٍ وَجَازَ كَأَنْ أَمْكَنَتْهُمْ فِي طَرِيقِهِمْ كَانَ جَائِزًا وَإِنْ تَعَطَّلَتْ الْجُمُعَةُ فِي بَلَدِهِمْ وَيُخَصُّ بِذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ تَجْوِيزِ تَعْطِيلِهَا فِي مَحَلِّهِمْ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْوَجْهُ أَنَّهُ الْأَقْرَبُ اهـ سم عَلَى حَجّ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا وَجْهَ لِلتَّرَدُّدِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ السَّفَرُ لِعُذْرٍ مُرَخِّصًا فِي تَرْكِهَا فَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ سَافَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) أَيْ عَلَى وَجْهٍ يَحْرُمُ (قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ سُقُوطُ الْإِثْمِ عَنْهُ) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ لَتَعَدِّيهِ بِالْإِقْدَامِ فِي ظَنِّهِ. وَيُؤَيِّدُ عَدَمَ السُّقُوطِ مَا لَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ يَظُنُّ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ سُقُوطِ الْإِثْمِ بِالتَّبْيِينِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكَفَّارَةِ وَالْإِثْمِ ظَاهِرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِسُقُوطِ الْإِثْمِ انْقِطَاعَهُ لَا ارْتِفَاعَهُ مِنْ أَصْلِهِ، وَقَدْ يُقَالُ: يَنْبَغِي سُقُوطُ إثْمِ تَضْيِيعِ الْجُمُعَةِ لَا إثْمِ قَصْدِ تَضْيِيعِهَا اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ فَإِنْ وَجَبَ كَذَلِكَ) أَيْ فَوْرًا (قَوْلُهُ: أَوْ يَتَضَرَّرُ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ الرُّفْقَةِ) لَيْسَ مِنْ التَّضَرُّرِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَقْصِدُ السَّفَرَ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ لِأَمْرٍ لَا يَفُوتُ بِفَوَاتِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَمِنْهُ الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ زِيَارَةَ سَيِّدِي أَحْمَدَ الْبَدْوِيِّ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ، فَيُرِيدُونَ السَّفَرَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي مَرْكَبٍ السَّفَرُ فِيهِ يُفَوِّتُ جُمُعَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، لَكِنْ يُوجَدُ غَيْرُهُ فِي بَقِيَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ فِيمَا يَلِيه
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ الْقَضَاءُ بِالْعِلْمِ) يُرَاجِعُ مَا قَالُوهُ هُنَاكَ
(قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ سُقُوطُ الْإِثْمِ) فِي سُقُوطِ إثْمِ الْإِقْدَامِ بِمَا ذَكَرَ بَحْثٌ لَا يَخْفَى وَبَيَّنَهُ الشَّيْخُ فِي الْحَاشِيَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ انْقِطَاعُ الْإِثْمِ مِنْ حِينَئِذٍ بِقَرِينَةِ النَّظِيرِ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ الْمَنْعِ أَيْضًا مَا لَمْ يَجِبْ السَّفَرُ فَوْرًا) أَيْ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَا بِالنَّظَرِ لِخُصُوصِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَإِلَّا فَالْغَرَضُ إثْبَاتُ وُجُوبِهِ حِينَئِذٍ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إذَا كَانَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ وَاجِبٌ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى بَحْثُ وُجُوبِهِ وَيَرْجِعُ إلَى تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَمَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا لَمْ يَجِبْ وَإِلَّا فَيَجِبُ، وَبَيَانُ انْدِفَاعِهِ أَنَّ الْوُجُوبَ هُنَا عَامٌّ وَفِيمَا يَأْتِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute