فِي مَحَلٍّ تَصِحُّ فِيهِ وَامْتَدَّتْ الصُّفُوفُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَوَرَاءَ مَعَ الِاتِّصَالِ الْمُعْتَبَرِ حَتَّى خَرَجَتْ إلَى خَارِجِ الْقَرْيَةِ مَثَلًا صَحَّتْ جُمُعَةُ الْخَارِجِينَ إنْ كَانُوا بِمَكَانٍ لَا يَقْصِرُ فِيهِ مَنْ سَافَرَ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَشَمَلَ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ لِكَوْنِهَا فِي غَيْرِ خِطَّةِ أَبْنِيَةِ أَوْطَانِهِمْ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ كَالصَّرِيحِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَا فَرْقَ فِي عَدَمِ صِحَّةِ إقَامَتِهَا فِي مَحَلٍّ يُتَرَخَّصُ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَبْنِيَ مَحَلَّ إقَامَتِهَا مُنْفَصِلًا عَنْ الْبَلَدِ وَأَنْ يَطْرَأَ انْفِصَالُهُ عَنْهَا لِخَرَابِ مَا بَيْنَهُمَا، خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الصِّحَّةِ فِي الشِّقِّ الثَّانِي حَيْثُ قَالَ: إنَّهُ إذَا كَانَ الْبَلَدُ كَبِيرًا وَخُرِّبَ مَا حَوَالَيْ الْمَسْجِدِ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ حُكْمُ الْوَصْلَةِ فَتَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْسَخٌ.
(وَلَوْ) (لَازَمَ أَهْلُ الْخِيَامِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَكَلَامُهُمْ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَجُوزُ لَهُمْ إقَامَتُهَا خَارِجَ السُّورِ لِجَوَازِ الْقَصْرِ لِمُجَاوَزَتِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ بُنْيَانٌ، لَكِنَّ سُكْنَى بَعْضِهِمْ خَارِجَهُ لَا تَمْنَعُ كَوْنَهُ مِنْ الْمُقِيمِينَ الْمُسْتَوْطِنِينَ فَيَتِمُّ الْعَدَدُ بِهِ إذَا أُقِيمَتْ دَاخِلَهُ. أَمَّا إذَا كَانَ خَارِجَهُ أَرْبَعُونَ فَأَكْثَرَ وَدَاخِلَهُ كَذَلِكَ فَتَصِحُّ لِلْخَارِجِينَ عَنْهُ حَيْثُ عَسُرَ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَكَان دَاخِلَهُ لِأَنَّهُ مَحَلُّ إقَامَتِهِمْ وَإِنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّاخِلِينَ مَحَلَّ سَفَرٍ انْتَهَى. وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ: قَالُوا لَا بُدَّ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلٍّ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ فِيهِ، فَهَلْ إذَا أَقَامَهَا مَنْ دُورُهُمْ خَارِجَ السُّورِ وَتَكَمَّلُوا بِوَاحِدٍ مِمَّنْ دَارُهُ دَاخِلَ السُّورِ تَنْعَقِدُ بِهِ أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِ لِأَنَّهُ فِي مَحَلٍّ يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ فِيهِ، فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَالْمُسَافِرِ إذْ لَيْسَ هُوَ دَارَ إقَامَتِهِ، وَلَوْ دَخَلَ مِنْ دَارِهِ خَارِجَ السُّورِ إلَى دَاخِلِهِ انْعَقَدَتْ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ عَلَى مَا أَفْتَيْت بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ السَّفَرَ وَاحْتَاجَ إلَى قَطْعٍ دَاخِلَ السُّورِ لِكَوْنِهِ فِي مَقْصِدِهِ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ السُّورِ ثُمَّ يُجَاوِزَ الْعُمْرَانَ الَّذِي وَرَاءَهُ، لِأَنَّ السُّورَ لَا عِبْرَةَ بِهِ فِي حَقِّهِ، وَإِنَّمَا الْعُمْرَانُ الَّذِي خَارِجَهُ كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ دَارُ إقَامَتِهِ انْتَهَى ابْنُ حَجَرٍ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانُوا بِمَكَانٍ لَا يَقْصُرُ فِيهِ) دَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ أُقِيمَتْ الْجُمُعَةُ فِي قَرْيَةٍ وَاقْتَدَى بِإِمَامِهَا أَهْلُ قَرْيَةٍ أُخْرَى مُنْفَصِلَةٍ عَنْهَا عُرْفًا فَلَا تَصِحُّ جُمُعَةُ الْقَرْيَةِ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ مَنْ سَافَرَ مِنْ بَلَدِ الْجُمُعَةِ إلَى تِلْكَ الْقَرْيَةِ جَازَ الْقَصْرُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، لَكِنَّ صَمَّمَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ عَلَى الصِّحَّةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ مَنْقُولٌ فَلْيُرَاجَعْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجَرٍ عَلَى الْمِنْهَاجِ مَا نَصُّهُ: وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ هُنَا فِي خِطَّةِ أَبْنِيَةٍ وَفِيمَا يَأْتِي بِأَرْبَعِينَ أَنَّ شَرْطَهُ الصِّحَّةُ كَوْنُ الْأَرْبَعِينَ فِي الْخِطَّةِ وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ خُرُوجُ مَنْ عَدَاهُمْ عَنْهَا فَيَصِحُّ رَبْطُ صَلَاتِهِمْ الْجُمُعَةَ بِصَلَاةِ إمَامِهَا لِشَرْطِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَكَلَامُهُمْ فِي شُرُوطِ الْقُدْوَةِ الْمَكَانِيَّةِ يَقْتَضِيهِ أَيْضًا، فَعَلَيْهِ لَوْ اقْتَدَى أَهْلُ بَلَدٍ سَمِعُوا وَهُمْ بِبَلَدِهِمْ بِإِمَامِ الْجُمُعَةِ فِي بَلْدَةٍ وَتَوَفَّرَتْ شُرُوطُ الِاقْتِدَاءِ جَازَ انْتَهَى. وَعِبَارَةُ سم عَلَى أَبِي شُجَاعٍ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَنْ تُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بِمَا نَصُّهُ: أَرْبَعِينَ فَأَكْثَرَ مِنْ أَهْلِ الِانْعِقَادِ وَإِنْ كَانَ إمَامُهَا الزَّائِدُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ خَارِجًا عَمَّا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُ لِلْقَصْرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِأَنْ اقْتَدُوا بِمَنْ لَا تَلْزَمُهُ وَقَدْ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ وَنَوَى غَيْرَهَا أَوْ اقْتَدَى بِمَنْ فِي قَرْيَةِ أُخْرَى حَيْثُ وُجِدَتْ شُرُوطُ الِاقْتِدَاءِ بِهِمَا مِنْ الْقُرْبِ وَعَدَمِ الْحَيْلُولَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى. وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ نَقْلًا عَنْ حَوَاشِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ.
(قَوْلُهُ: مَنْ سَافَرَ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ) أَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ إلَى فَضَاءٍ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ فِيهِ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهِ لَا تَبَعًا وَلَا اسْتِقْلَالًا، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ الشَّارِحِ طب، لَكِنَّهُ نُقِلَ عَنْ ع احْتِمَالًا بِخِلَافِهِ، وَجَرَى ابْنُ حَجَرٍ عَلَى صِحَّةِ جُمُعَةِ الْخَارِجِينَ تَبَعًا حَيْثُ زَادُوا عَلَى الْأَرْبَعِينَ (قَوْلُهُ: وَشَمَلَ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْقَضَاءَ الْمَعْدُودَ مِنْ الْأَبْنِيَةِ الْمُجْتَمِعَةِ بِأَنْ كَانَ فِي مَحَلٍّ لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ تَصِحُّ فِيهِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَزُلْ عَنْهُ حُكْمُ الْوَصْلَةِ) وَجَرَى
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: مَعَ الِاتِّصَالِ الْمُعْتَبَرِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ الْمُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ الْقُدْوَةِ الْمَارُّ فِي بَابِ الْجَمَاعَةِ، وَإِلَّا فَالْجُمُعَةُ لَا يُعْتَبَرُ لَهَا اتِّصَالٌ خَاصٌّ، عَلَى أَنَّ هَذَا الْإِفْتَاءَ يُوهِمُ أَنَّ هَذَا التَّصْوِيرَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ لَوْ أُنْشِئَتْ الْجُمُعَةُ فِي هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute