للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّحْرَاءَ) أَيْ مَوْضِعًا مِنْهَا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (أَبَدًا) وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ النِّدَاءُ مِنْ مَحَلِّ الْجُمُعَةِ (فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ) وَلَا تَصِحُّ مِنْهُمْ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ الْمُقِيمِينَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ بِهَا. وَالثَّانِي تَجِبُ وَيُقِيمُونَهَا فِي مَوْضِعِهِمْ لِأَنَّ الصَّحْرَاءَ وَطَنُهُمْ، فَإِنْ بَلَغَهُمْ النِّدَاءُ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَلَوْ لَمْ يُلَازِمُوهُ أَبَدًا بِأَنْ انْتَقَلُوا عَنْهُ فِي الشِّتَاءِ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ جُمُعَةٌ جَزْمًا وَلَمْ تَصِحَّ مِنْهُمْ فِي مَوْضِعِهِمْ جَزْمًا.

(الثَّالِثُ) مِنْ الشُّرُوطِ (أَنْ لَا يَسْبِقَهَا وَلَا يُقَارِنَهَا جُمُعَةٌ فِي بَلْدَتِهَا) وَإِنْ كَانَتْ عَظِيمَةً وَكَثُرَتْ مَسَاجِدُهَا، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِهِ لَمْ يُقِيمُوا سِوَى جُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى وَاحِدَةٍ أَفْضَى إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ إظْهَارِ شِعَارِ الِاجْتِمَاعِ وَاتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ (إلَّا إذَا كَبُرَتْ) أَيْ الْبَلَدُ (وَعَسُرَ اجْتِمَاعُهُمْ) يَقِينًا عَادَةً (فِي مَكَانِ) مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ تَعَدُّدُهَا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ دَخَلَ بَغْدَادَ وَأَهْلُهَا يُقِيمُونَ بِهَا جُمُعَتَيْنِ وَقِيلَ ثَلَاثًا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ، فَحَمَلَهُ الْأَكْثَرُ عَلَى عُسْرِ الِاجْتِمَاعِ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: أَوْ بَعُدَتْ أَطْرَافُ الْبَلَدِ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، وَالْأَوَّلُ مُحْتَمَلٌ إنْ كَانَ الْبَعِيدُ بِمَحَلٍّ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ نِدَاؤُهَا لِشُرُوطِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ بِمَحَلٍّ لَوْ خَرَجَ مِنْهُ عَقِبَ الْفَجْرِ لَمْ يُدْرِكْهَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ السَّعْيُ إلَيْهَا إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ كَمَا مَرَّ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ اجْتَمَعَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلِّ الْبَعِيدِ كَذَلِكَ أَرْبَعُونَ صَلَّوْا الْجُمُعَةَ وَإِلَّا فَالظُّهْرَ، وَالثَّانِي ظَاهِرٌ أَيْضًا فَكُلُّ فِئَةٍ بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ يَلْزَمُهَا إقَامَةُ الْجُمُعَةِ، وَهَلْ الْمُرَادُ اجْتِمَاعُ مَنْ تَلْزَمُهُ أَوْ مَنْ تَصِحُّ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ أَنَّهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مَنْ قَالَ بِذَلِكَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْقَصْرِ قَبْلَ مُجَاوَزَتِهِ إلْحَاقًا لِمَا بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالْعُمْرَانِ بِالْخَرَابِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ عُمْرَانِ الْبَلَدِ.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ بَلَغَهُمْ النِّدَاءُ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ) أَيْ سَوَاءٌ كَانُوا بِنَفْسِ الْخِيَامِ أَمْ بِمَا يُنْسَبُ إلَيْهَا كَمَرَافِقِهَا فَيَجِبُ الْحُضُورُ وَإِنْ بَعُدَ عَنْ الْخِيَامِ فِيمَا يَظْهَرُ لِنِسْبَةِ ذَلِكَ إلَيْهَا وَعَدِّهِ مِنْهَا، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي الْقَرْيَتَيْنِ (قَوْلُهُ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ) أَيْ بِمَحَلِّهِمْ أَمَّا غَيْرُهُ فَإِنْ بَلَغَهُمْ مِنْهُ النِّدَاءُ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا.

(قَوْلُهُ: وَلَا يُقَارِنُهَا جُمُعَةٌ فِي بَلْدَتِهَا) . [فَرْعٌ] لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ خُطْبَتَانِ مُحْتَاجٌ إلَيْهِمَا ثُمَّ أَرَادَ شَخْصٌ آخَرُ إحْدَاثَ خُطْبَةٍ ثَالِثَةٍ فَهَلْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إنْشَائِهَا وُقُوعُ خَلَلٍ فِيهَا لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ هِيَ السَّابِقَةَ عَلَى غَيْرِهَا، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ تَكْثُرَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَيَحْتَاجُونَ لِذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنْ يُقَالَ: يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ خَلَلٍ فِيهَا لِسَبْقِهَا لَكِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى خَلَلٍ فِي الْقَدِيمَتَيْنِ إنْ وَقَعَتَا مَعًا بَعْدَ الْحَادِثَةِ أَوْ بُطْلَانِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إنْ تَرَتَّبَتَا، وَاحْتِمَالُ كَثْرَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ بِحَيْثُ يَحْتَاجُونَ إلَى ذَلِكَ الْأَصْلُ عَدَمُهُ وَلَا يُتْرَكُ الْأَمْرُ الْحَاصِلُ لِلْمُتَوَهِّمِ. (قَوْلُهُ: فِي مَكَانِ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْمَسْجِدِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ مَسْجِدَانِ وَكَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ إذَا صَلَّوْا فِيهِمَا وَسِعَاهُمْ مَعَ التَّعَدُّدِ وَكَانَ هُنَاكَ مَحَلٌّ مُتَّسَعٌ كَزَرِيبَةٍ مَثَلًا إذَا صَلَّوْا فِيهِ لَا يَحْصُلُ التَّعَدُّدُ هَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ فِعْلُهَا فِي الْأَوَّلَيْنِ أَوْ الثَّانِيَةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي حِرْصًا عَلَى عَدَمِ التَّعَدُّدِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ) مِنْ كَلَامِ م ر (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي ظَاهِرٌ أَيْضًا) هُوَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

الْمَوْضِعِ ابْتِدَاءً فَهِيَ مُنْعَقِدَةٌ كَمَا عُلِمَ.

(قَوْلُهُ: أَيْ مَوْضِعًا مِنْهَا) أَيْ وَإِلَّا فَالْمَتْنُ صَادِقٌ بِمَا إذَا كَانُوا يَنْتَقِلُونَ فِي الصَّحْرَاءِ مِنْ مَوْضِعٍ لِمَوْضِعٍ إذْ يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ مُلَازِمُونَ لِلصَّحْرَاءِ: أَيْ لَمْ يَسْكُنُوا الْعُمْرَانَ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ بِمَحَلٍّ وَخَرَجَ مِنْهُ عَقِبَ الْفَجْرِ لَمْ يُدْرِكْهَا) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يُدْرِكُهَا فَلَا يَجُوزُ التَّعَدُّدُ وَيَجِبُ السَّعْيُ لِمَحَلِّهَا: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ النِّدَاءَ بِقَرِينَةِ مُقَابَلَةِ هَذَا بِمَا قَبْلَهُ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ بِبَلَدِ الْجُمُعَةِ فَفَارَقَ اشْتِرَاطَ السَّمْعِ فِي الْخَارِجِ عَنْ الْبَلَدِ وَكَانَ غَرَضُهُ مِنْ ذِكْرِ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ قَبْلَهُ: وَالْأَوَّلُ مُحْتَمَلٌ إنْ كَانَ الْبَعِيدُ إلَخْ أَنَّ كَلَامَ الْأَنْوَارِ لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ، فَيُحْتَمَلُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَسْمَعْ النِّدَاءَ، وَيَحْتَمِلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ تَقْيِيدُهُ بِمَحَلٍّ لَوْ خَرَجَ مِنْهُ عَقِبَ الْفَجْرِ إلَخْ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) لَمْ يَمُرَّ هَذَا فِي كَلَامِهِ وَهُوَ تَابِعٌ فِي الْإِحَالَةِ لِلشِّهَابِ حَجّ، لَكِنَّ ذَاكَ قَدَّمَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>