لَا يَفْعَلُهَا أَوْ مَنْ يَفْعَلُهَا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ غَالِبًا كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَلَعَلَّ أَقْرَبَهَا الْأَخِيرُ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَقِيلَ لَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ) وَتُحْتَمَلُ فِيهَا الْمَشَقَّةُ فِي الِاجْتِمَاعِ، وَاقْتَصَرَ فِي التَّنْبِيهِ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمُتَابِعِيهِ عَلَى هَذَا وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ، وَسُكُوتُ الشَّافِعِيِّ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُنْكِرُ عَلَى مُجْتَهِدٍ. وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالتَّعَدُّدِ.
قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهَذَا بَعِيدٌ، ثُمَّ انْتَصَرَ لَهُ وَصَنَّفَ فِيهِ أَرْبَعُ مُصَنَّفَاتٍ وَقَالَ: إنَّهُ الصَّحِيحُ مَذْهَبًا وَدَلِيلًا.
(وَقِيلَ إنْ حَالَ نَهْرٌ عَظِيمٌ) يُحْوِجُ إلَى سِبَاحَةٍ (بَيْنَ شِقَّيْهَا) كَبَغْدَادَ (كَانَا) أَيْ الشِّقَّانِ (كَبَلَدَيْنِ) فَيُقَامُ فِي كُلِّ شِقٍّ جُمُعَةٌ (وَقِيلَ إنْ كَانَتْ) أَيْ الْبَلْدَةُ (قُرًى) مُتَفَاصِلَةً (فَاتَّصَلَتْ) أَبْنِيَتُهَا (تَعَدَّدَتْ الْجُمُعَةُ بِعَدَدِهَا) فَيُقَامُ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ جُمُعَةٌ كَمَا كَانَ، (فَلَوْ سَبَقَهَا جُمُعَةٌ) فِي مَوْضِعٍ يَمْتَنِعُ فِيهِ التَّعَدُّدُ (فَالصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ) لِاجْتِمَاعِ شَرَائِطِهَا، وَاللَّاحِقَةُ بَاطِلَةٌ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى وَاحِدَةٍ (وَفِي قَوْلٍ إنْ كَانَ السُّلْطَانُ مَعَ الثَّانِيَةِ) إمَامًا كَانَ أَوْ مُقْتَدِيًا (فَهِيَ الصَّحِيحَةُ) وَإِلَّا لَأَدَّى إلَى تَفْوِيتِ الْجُمُعَةِ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ بِمُبَادَرَةِ شِرْذِمَةٍ إلَى ذَلِكَ.
وَالْمُتَّجَهُ أَنَّ حُكْمَ الْخَطِيبِ الْمَنْصُوبِ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ أَوْ مِنْ جِهَةِ نَائِبِهِ كَحُكْمِ السُّلْطَانِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُقَيَّدٌ فِي الْأُمِّ بِأَنْ لَا يَكُونَ وَكِيلُ الْإِمَامِ مَعَ السَّابِقَةِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهَا فَالْجُمُعَةُ هِيَ السَّابِقَةُ (وَالْمُعْتَبَرُ سَبْقُ التَّحَرُّمِ) مِنْ الْإِمَامِ بِتَمَامِ التَّكْبِيرِ وَهُوَ الرَّاءُ وَإِنْ سَبَقَهُ الْآخِرُ بِالْهَمْزِ لِأَنَّ بِهِ الِانْعِقَادَ، وَشَمَلَ مَا تَقَرَّرَ مِنْ كَوْنِ الْعِبْرَةِ بِتَمَامِ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ دُونَ تَكْبِيرِ مَنْ خَلَفَهُ مَا لَوْ أَحْرَمَ إمَامٌ بِالْجُمُعَةِ ثُمَّ إمَامٌ آخَرُ بِهَا ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ ثُمَّ بِالْأَوَّلِ مِثْلُهُمْ صَحَّتْ جُمُعَةُ الْأَوَّلِ، إذْ بِإِحْرَامِهِ تَعَيَّنَتْ جُمُعَتُهُ لِلسَّبْقِ وَامْتَنَعَ عَلَى غَيْرِهِ افْتِتَاحُ جُمُعَةٍ أُخْرَى وَبِذَلِكَ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ (وَقِيلَ) الْمُعْتَبَرُ سَبْقُ الْهَمْزَةِ، وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ (سَبْق التَّحَلُّلِ) أَيْ بِتَمَامِ السَّلَامِ لِلْأَمْنِ مَعَهُ مِنْ عُرُوضِ فَسَادِ الصَّلَاةِ، فَكَانَ اعْتِبَارُهُ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ مَا قَبْلَهُ (وَقِيلَ بِأَوَّلِ الْخُطْبَةِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ بَدَلٌ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، وَلَوْ دَخَلَتْ طَائِفَةٌ فِي الْجُمُعَةِ فَأَخْبَرُوهُمْ بِأَنَّ طَائِفَةً سَبَقَتْهُمْ بِهَا اُسْتُحِبَّ لَهُمْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ (قَوْلُهُ: أَوْ مَنْ يَفْعَلُهَا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ غَالِبًا) أَيْ يَغْلِبُ فِعْلُهُمْ لَهَا (قَوْلُهُ وَلَعَلَّ أَقْرَبَهَا الْأَخِيرُ) عِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ قَوْلِهِ وَعَسُرَ اجْتِمَاعُهُمْ، الْمُرَادُ فِيمَا يَظْهَرُ وِفَاقًا م ر عَسُرَ اجْتِمَاعُ الْحَاضِرِينَ بِالْفِعْلِ انْتَهَى. وَمِثْلُهُ فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ، وَهَذَا مُخَالِفٌ كَمَا تَرَى لِقَوْلِ الشَّارِحِ وَلَعَلَّ أَقْرَبَهَا إلَخْ لِاعْتِبَارِ الشَّارِحِ الْغَلَبَةَ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهَا لَهَا حَيْثُ اعْتَبَرَا مَنْ يَحْضُرْ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا بَعِيدٌ) أَيْ الْقَوْلُ بِالتَّعَدُّدِ.
(قَوْلُهُ: فِي مَوْضِعٍ يَمْتَنِعُ فِيهِ التَّعَدُّدُ) أَيْ وَذَلِكَ بِأَنْ عَسُرَ اجْتِمَاعُهُمْ بِمَكَانٍ عَلَى الْأَوَّلِ وَمُطْلَقًا عَلَى الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَحُلْ نَهْرٌ عَلَى الثَّالِثِ وَمَا إذَا لَمْ تَكُنْ قُرًى عَلَى الرَّابِعِ (قَوْلُهُ: فَالْجُمُعَةُ هِيَ السَّابِقَةُ) أَيْ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ الْإِمَامِ مَعَ الثَّانِيَةِ، وَلَعَلَّهُ لِكَوْنِهِ لَمَّا فُوِّضَ الْأَمْرُ إلَيْهِ كَأَنَّهُ رَفَعَ وِلَايَةَ نَفْسِهِ عَنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ مَا دَامَ الْوَكِيلُ مُتَصَرِّفًا فِيهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ بِهِ) أَيْ التَّحَرُّمِ الِانْعِقَاد إلَخْ (قَوْلُهُ: فَأَخْبَرُوهُمْ) عِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ فَأَخْبَرُوا انْتَهَى. وَهِيَ صَادِقَةٌ بِمَا لَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ وَاحِدًا بِخِلَافِ كَلَامِ الشَّارِحِ. لَكِنْ قَدْ
[حاشية الرشيدي]
كَبَعْدِهِ فِي الْجَدِيدِ إنْ كَانَ السَّفَرُ مُبَاحًا (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ أَقْرَبَهَا الْأَخِيرُ) اُنْظُرْ لَوْ اتَّفَقَ حُضُورُ غَيْرِ مَنْ يَفْعَلُهَا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ غَالِبًا مِمَّنْ تَلْزَمُهُمْ وَلَمْ يَسَعْهُمْ الْمَحَلُّ الَّذِي يَسَعُ مَنْ يَفْعَلُهَا غَالِبًا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ هَلْ يَجُوزُ التَّعَدُّدُ حِينَئِذٍ أَوْ تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ عَمَّنْ ضَاقَ عَنْهُ الْمَحَلُّ؟ فَإِنْ قَالَ الشَّارِحُ بِالْأَوَّلِ رَجَعَ قَوْلُهُ: إلَى النَّظَرِ إلَى مَنْ يَحْضُرُ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ نَقَلَهُ عَنْهُ الشِّهَابُ سم وَذَكَرَ أَنَّهُ اخْتَارَهُ، وَإِنْ قَالَ بِالثَّانِي فَفِي غَايَةِ الْبُعْدِ، وَبِعَكْسِهِ لَوْ اتَّفَقَتْ قِلَّتُهُمْ عَلَى خِلَافِ الْغَالِبِ فَإِنْ قَالَ بِوُجُوبِ انْحِصَارِهِمْ فِي قَدْرِ الْمُحْتَاجِ رَجَعَ إلَى مَا قُلْنَا.
وَإِنْ جُوِّزَ التَّعَدُّدُ مَعَ انْتِفَاءِ الْحَاجَةِ فَهُوَ بَعِيدٌ أَيْضًا، فَإِنْ قِيلَ الْمُعْتَبَرُ مَنْ يَغْلِبُ حُضُورُهُ فَإِنْ اتَّفَقَتْ كَثْرَةً أَوْ قِلَّةً عَلَى خِلَافِ الْغَالِبِ أَدَرْنَا الْحُكْمَ عَلَى ذَلِكَ، قُلْنَا: وَأَيُّ مَعْنًى لِاعْتِبَارِ مَنْ يَحْضُرُ بِالْفِعْلِ غَيْرِ هَذَا (قَوْلُهُ: وَهَذَا بَعِيدٌ) يَعْنِي قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَقِيلَ لَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute