اسْتِئْنَافُ الظُّهْرِ، وَلَهُمْ إتْمَامُ الْجُمُعَةِ ظُهْرًا. وَقَوْلُ الشَّارِحِ هُنَا كَمَا لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِيهَا يُقَالُ عَلَيْهِ إنَّ التَّشْبِيهَ رَاجِعٌ إلَى الْإِتْمَامِ فَقَطْ.
(فَلَوْ) (وَقَعَتَا) بِمَحَلٍّ يَمْتَنِعُ تَعَدُّدُهَا فِيهِ (مَعًا أَوْ شَكَّ) فِي الْمَعِيَّةِ فَلَمْ يَدْرِ أَوْقَعَتَا مَعًا أَمْ مُرَتَّبًا (اُسْتُؤْنِفَتْ الْجُمُعَةُ) أَيْ إنْ وَسِعَ الْوَقْتُ لِأَنَّ إبْطَالَ إحْدَاهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَوَجَبَ إبْطَالُهُمَا، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي صُورَةِ الشَّكِّ عَدَمُ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ، وَبَحَثَ الْإِمَامُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا تَقَدُّمُ إحْدَى الْجُمُعَتَيْنِ فَلَا تَصِحُّ جُمُعَةٌ أُخْرَى فَيَنْبَغِي لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِمْ بِيَقِينٍ أَنْ يُصَلُّوا بَعْدَهَا ظُهْرًا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَا قَالَهُ مُسْتَحَبٌّ وَإِلَّا فَالْجُمُعَةُ كَافِيَةٌ فِي الْبَرَاءَةِ كَمَا قَالُوهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُقُوعِ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ فِي حَقِّ كُلِّ طَائِفَةٍ. قَالَ غَيْرُهُ: وَلِأَنَّ السَّبْقَ إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَوْ يُظَنَّ لَمْ يُؤَثِّرْ احْتِمَالُهُ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى عِلْمِ الْمُكَلَّفِ أَوْ ظَنِّهِ لَا إلَى نَفْسِ الْأَمْرِ (وَإِنْ) (سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا وَلَمْ تَتَعَيَّنْ) كَأَنْ سَمِعَ مَرِيضَانِ أَوْ مُسَافِرَانِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ تَكْبِيرَتَيْنِ مَثَلًا فَأَخْبَرَا بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْرِفَا الْمُتَقَدِّمَةَ مِمَّنْ، وَإِخْبَارُ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ كَافٍ فِي ذَلِكَ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ (أَوْ تَعَيَّنَتْ وَنُسِيَتْ) بَعْدَهُ (صَلَّوْا ظُهْرًا) لِتَيَقُّنِ وُقُوعِ جُمُعَةٍ صَحِيحَةٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَيَمْتَنِعُ إقَامَةُ جُمُعَةٍ بَعْدَهَا وَالطَّائِفَةُ الَّتِي صَحَّتْ الْجُمُعَةُ بِهَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْفَرْضِ فِي حَقِّ كُلِّ طَائِفَةٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ الظُّهْرُ (وَفِي قَوْلِ جُمُعَةٍ) لِأَنَّ الْمَفْعُولَتَيْنِ غَيْرُ مُجْزِئَتَيْنِ فَصَارَ وُجُودُهُمَا كَعَدَمِهِمَا، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا تَرْجِيحُ طَرِيقَةٍ قَاطِعَةٍ فِي الثَّانِيَةِ بِالْأَوَّلِ، وَقَدْ أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْجُمَعِ الْوَاقِعَةِ فِي مِصْرَ الْآنَ بِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ، سَوَاءٌ أَوْقَعَتْ مَعًا أَمْ مُرَتَّبًا إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ عُسْرُ الِاجْتِمَاعِ بِأَمْكِنَةِ تِلْكَ الْجُمُعَةِ، فَلَا يَجِبُ أَحَدٌ مِنْ مُصَلِّيهَا صَلَاةَ ظُهْرٍ يَوْمَهَا لَكِنَّهَا تُسْتَحَبُّ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَ تَعَدُّدَ الْجُمُعَةِ بِالْبَلَدِ وَإِنْ عَسُرَ الِاجْتِمَاعُ فِي مَكَان فِيهِ، ثُمَّ الْجُمَعُ الْوَاقِعَةُ بَعْدَ انْتِفَاءِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يُرْشِدُ إلَى أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ كَافٍ مَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَإِخْبَارُ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ كَافٍ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: رَاجِعٌ إلَى الْإِتْمَامِ فَقَطْ) أَيْ لَا لَهُ مَعَ صِفَتِهِ الَّتِي هِيَ الِاسْتِحْبَابُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ شَكَّ) قَالَ حَجّ: وَالْمُرَادُ بِالشَّكِّ فِي الْمَعِيَّةِ وُقُوعُهُمَا عَلَى حَالَةِ يُمْكِنُ فِيهَا الْمَعِيَّةُ. (قَوْلُهُ: اُسْتُؤْنِفَتْ الْجُمُعَةُ) أَيْ فَلَوْ أَيِسَ مِنْ ذَلِكَ جَازَ نَقْلُ الظُّهْرِ عَقِبَ سَلَامِ الْجُمُعَةِ لِلْيَأْسِ مِنْ فِعْلِهِمْ لَهَا جُمُعَةً كَمَا تَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ فِي قَوْلِهِ: نَعَمْ لَوْ كَانَ عَدَمُ إقَامَتِهِمْ لَهَا أَمْرًا عَادِيًا إلَخْ (قَوْلُهُ: وَبَحْثُ الْإِمَامِ) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا) أَيْ فِي الشَّكِّ (قَوْلُهُ: كَأَنْ سَمِعَ مَرِيضَانِ أَوْ مُسَافِرَانِ) أَيْ أَوْ غَيْرُهُمَا مِمَّنْ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّخَلُّفُ كَقُرْبِ مَحَلِّهِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَزِيَادَتِهِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ لِتَصِحَّ الْخُطْبَةُ فِي غَيْبَتِهِ، وَمِنْ ثَمَّ عَبَّرَ بِالْكَافِ (قَوْلُهُ: وَإِخْبَار الْعَدْلِ الْوَاحِدِ) : بَقِيَ مَا لَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ مُخْبِرَانِ. فَفِي الزَّرْكَشِيّ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْمُخْبِرُ بِالسَّبَقِ لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ، وَنَازَعَهُ فِي الْإِيعَابِ بِأَنَّ السَّبْقَ إنَّمَا يُرَجَّحُ إذَا كَانَ مُسْتَنَدُهُ يُحَصِّلُ زِيَادَةَ الْعِلْمِ وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا مُتَعَارِضَانِ فَيَرْجِعُ ذَلِكَ لِلشَّكِّ وَهُوَ يُوجِبُ اسْتِئْنَافَ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهَا تُسْتَحَبُّ) وَهَذَا مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَتْ وَاحْتَمَلَ كَوْنَ جُمُعَتِهِ مَسْبُوقَةً.
أَمَّا إذَا لَمْ تَتَعَدَّدْ أَوْ تَعَدَّدَتْ وَعُلِمَ أَنَّهَا السَّابِقَةُ فَلَا يَجُوزُ إعَادَتُهَا جُمُعَةً بِمَحَلِّهِ لِاعْتِقَادِ بُطْلَانِ الثَّانِيَةِ، وَلَا ظُهْرًا لِسُقُوطِ فَرْضِهِ بِالْجُمُعَةِ، وَلَمْ يُخَاطَبْ بِالظُّهْرِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ،
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَهُمْ إتْمَامُ الْجُمُعَةِ ظُهْرًا) لَا يَخْفَى إشْكَالُهُ؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْأَخْذِ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِينَ وُجُوبُ الِاسْتِئْنَافِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ إخْبَارِهِمْ بِسَبْقِ أُخْرَى لَهُمْ أَنَّ تَحَرُّمَ هَؤُلَاءِ بَاطِلٌ لِوُقُوعِهِ مَسْبُوقًا بِجُمُعَةٍ صَحِيحَةٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَمَا لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهْم فِيهَا أَنَّهُمْ هُنَاكَ أَحْرَمُوا بِالْجُمُعَةِ فِي وَقْتِهَا، وَالصُّورَةُ أَنَّهُمْ يَجْهَلُونَ خُرُوجَهُ فِي أَثْنَائِهَا فَعُذِرُوا بِخِلَافِ هَذِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: رَاجِعٌ إلَى الْإِتْمَامِ فَقَطْ) أَيْ لَا إلَى مَا قَبْلَهُ أَيْضًا مِنْ اسْتِحْبَابِ الِاسْتِئْنَافِ إذْ هُوَ مُنْتَفٍ ثَمَّ كَمَا مَرَّ، وَالْمُرَادُ التَّشْبِيهُ فِي مُطْلَقِ الْإِتْمَامِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ وَاجِبًا، وَإِلَّا فَاَلَّذِي مَرَّ فِي خُرُوجِ الْوَقْتِ وُجُوبُ الْإِتْمَامِ ظُهْرًا.
(قَوْلُهُ: وَبَحَثَ الْإِمَامُ أَنَّهُ يَجُوزُ) أَيْ يُحْتَمَلُ (قَوْلُهُ: ظُهْرَ يَوْمِهَا) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مَعَ احْتِمَالِ السَّبْقِ وَعَدَمِهِ وَكَانَ وَجْهُهُ النَّظَرَ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ جَوَازِ الظُّهْرِ حِينَئِذٍ إذَا صَارَ عَدَمُ إعَادَةِ الْجُمُعَةِ أَمْرًا عَادِيًا لَا يَتَخَلَّفُ كَمَا هُوَ الْوَاقِعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute