الِانْفِضَاضِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُصَلٍّ لِنَفْسِهِ، فَجَازَتْ الْمُسَامَحَةُ فِي نُقْصَانِ الْعَدَدِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْخُطْبَةِ إسْمَاعُ النَّاسِ فَإِذَا انْفَضَّ الْأَرْبَعُونَ بَطَلَ حُكْمُ الْخُطْبَةِ، وَإِذَا انْفَضَّ بَعْضُهُمْ بَطَلَ حُكْمُ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ وَهُوَ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ الْكَامِلِ أَرْبَعُونَ فَانْفَضَّ مِنْهُمْ وَاحِدٌ لَمْ يَضُرَّ، وَالِانْفِضَاضُ مِثَالٌ وَالضَّابِطُ النَّقْصُ (وَيَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا مَضَى إنْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ) عُرْفًا لِأَنَّ الْفَصْلَ الْيَسِيرَ لَا يُعَدُّ قَاطِعًا لِلْمُوَالَاةِ، كَمَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ لِمَنْ سَلَّمَ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ، وَشَبَّهَ الرَّافِعِيُّ الْفَصْلَ الْيَسِيرِ بِالْفَصْلِ بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ (وَكَذَا بِنَاءُ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُطْبَةِ إنْ انْفَضُّوا بَيْنَهُمَا) أَيْ فَيَجُوزُ أَيْضًا إذَا عَادُوا عَنْ قُرْبٍ (فَإِنْ عَادُوا بَعْدَ طُولِهِ) عُرْفًا (وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ) لِلْخُطْبَةِ (فِي الْأَظْهَرِ) فِيهِمَا وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ ذَلِكَ إلَّا مُتَوَالِيًا، وَلِأَنَّ الْمُوَالَاةَ لَهَا مَوْقِعٌ فِي اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ.
وَالثَّانِي لَا يَجِبُ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْخُطْبَةِ الْوَعْظُ وَالتَّذْكِيرُ وَمِنْ الصَّلَاةِ إيقَاعُ الْفَرْضِ فِي جَمَاعَةٍ وَهُوَ حَاصِلٌ مَعَ التَّفْرِيقِ، وَاحْتُرِزَ بِعَادُوا عَمَّا لَوْ عَادَ بَدَلُهُمْ، فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْنَافِ الْخُطْبَةِ طَالَ الْفَصْلُ أَمْ لَا، وَمَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ الضَّبْطِ بِالْعُرْفِ هُوَ الْأَوْجَهُ وَإِنْ ضَبَطَهُ جَمْعٌ بِمَا يَزِيدُ عَلَى مَا بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ إذْ هُوَ بَعِيدٌ جِدًّا (وَإِنْ) (انْفَضُّوا) أَيْ الْأَرْبَعُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ (فِي الصَّلَاةِ) بِإِبْطَالِهَا أَوْ إخْرَاجِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (بَطَلَتْ) الْجُمُعَةُ لِفَوَاتِ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ فِي صِحَّتِهَا فَيُتِمُّونَهَا ظُهْرًا. نَعَمْ لَوْ عَادَ الْمُنْفَضُّونَ لَزِمَهُمْ الْإِحْرَامُ بِالْجُمُعَةِ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا كَمَا أَفْتَى بِهَا الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، إذْ لَا تَصِحُّ ظُهْرُ مَنْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ مَعَ إمْكَانِ إدْرَاكِهَا، وَلَيْسَ فِيهِ إنْشَاءُ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى لِبُطْلَانِ الْأُولَى. وَلَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ وَتَبَاطَأَ الْمَأْمُومُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ بِالْإِحْرَامِ عَقِبَ إحْرَامِ الْإِمَامِ ثُمَّ أَحْرَمُوا فَإِنْ تَأَخَّرَ تَحَرُّمُهُمْ عَنْ رُكُوعِهِ فَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
(قَوْلُهُ: وَهُوَ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ) بَيَانٌ لِلْعَدَدِ وَعَلَيْهِ فَلَا يُحْسَبُ الْمَفْعُولُ فِي غَيْبَةِ الْمُنْفَضِّينَ (قَوْلُهُ: وَالضَّابِطُ النَّقْصُ) أَيْ فَلَوْ أُغْمِيَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ بَعُدَ فِي الْمَسْجِدِ إلَى مَكَان لَا يُسْمَعُ فِيهِ الْإِمَامُ كَانَ الْمُنْفَضَّ (قَوْلُهُ: بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ) فَيَجِبُ أَنْ لَا يَبْلُغَ قَدْرَ رَكْعَتَيْنِ أَخَفَّ مَا يُمْكِنُ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: بَطَلَتْ الْجُمُعَةُ) أَيْ حَيْثُ كَانَ الِانْفِضَاضُ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ، أَمَّا لَوْ كَانَ قَبْلَهُ فَإِنْ عَادُوا وَاقْتَدَوْا بِالْإِمَامِ قَبْلَ رُكُوعِهِ أَوْ فِيهِ وَقَرَءُوا الْفَاتِحَةَ وَاطْمَأَنُّوا مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ رَفْعِهِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ اسْتَمَرَّتْ جُمُعَتُهُمْ كَمَا لَوْ تَبَاطَأَ الْقَوْمُ عَنْ الْإِمَامِ ثُمَّ اقْتَدُوا بِهِ (قَوْلُهُ: فَيُتِمُّونَهَا ظُهْرًا) أَيْ يَفْعَلُونَهَا ظُهْرًا بِاسْتِئْنَافِهَا بِالنِّسْبَةِ فِيمَنْ انْفَضَّ إلَى بُطْلَانٍ وَبِالْبِنَاءِ عَلَى مَا مَضَى فِي حَقِّ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُمْ الْإِحْرَامُ) أَيْ مَعَ إعَادَةِ الْخُطْبَةِ إنْ طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَ انْفِضَاضِهِمْ وَعَوْدِهِمْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَأَخَّرَ تَحَرُّمُهُمْ عَنْ رُكُوعِهِ) أَيْ انْتِهَائِهِ (قَوْلُهُ: فَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَرَءُوا الْفَاتِحَةَ وَأَدْرَكُوا مَعَهُ الرُّكُوعَ وَفِيهِ نَظَرٌ، ثُمَّ رَأَيْت سم
[حاشية الرشيدي]
بِالْمَعْنَى الْآتِي (قَوْلُهُ: فَجَازَتْ الْمُسَامَحَةُ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ) صَوَابُهُ عَلَى الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ: فَيُتِمُّونَهَا) يَعْنِي الْبَاقِينَ فِي صُورَةِ مَا إذَا كَانَ الْمُنْفَضُّ بَعْضَهُمْ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمُتَبَادَرِ مِنْ السِّيَاقِ، إذْ لَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِيمَا إذَا انْفَضَّ الْأَرْبَعُونَ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُمْ) أَيْ الْجَمِيعَ، فَلَيْسَ لِلْبَاقِينَ حِينَئِذٍ إتْمَامُ الظُّهْرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، عَلَى أَنَّ الشِّهَابَ سم فِي حَوَاشِي الْمَنْهَجِ قَالَ عِنْدَ قَوْلِهِ فَيُتِمُّهَا الْبَاقُونَ ظُهْرًا مَا نَصُّهُ: هَذَا ظَاهِرٌ إذَا تَعَذَّرَ اسْتِئْنَافُ جُمُعَةٍ وَإِلَّا فَالْوَجْهُ اسْتِئْنَافُهَا:؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِهَا وَالْوَقْتُ بَاقٍ وَالْعَدَدُ مُتَيَسِّرٌ، فَكَيْفَ تَصِحُّ الظُّهْرُ مَعَ إمْكَانِ الْجُمُعَةِ.
ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ رَأَيْت السَّيِّدَ السَّمْهُودِيَّ فِي حَاشِيَةِ الرَّوْضَةِ سَبَقَنِي إلَى هَذَا الْبَحْثِ وَقَالَ: إنَّهُ التَّحْقِيقُ، وَذَكَرَ أَنَّ الشَّارِحَ اعْتَمَدَ مَا قَالَهُ السَّمْهُودِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ إفْتَاءِ وَالِدِهِ. نَعَمْ حَاوَلَ: أَعْنِي الشِّهَابَ سم دَفْعَ ذَلِكَ بِأَنَّ مَحَلَّ قَوْلِهِمْ الَّذِي تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَفْعَلَ الظُّهْرَ حَتَّى يَيْأَسَ مَا إذَا لَمْ يَشْرَعْ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَعَ كَمَا هُنَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَأَخَّرَ حَرَمُهُمْ عَنْ رُكُوعِهِ فَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute