لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَوْقَ الْأَرْبَعِينَ) حَيْثُ كَانَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ الْمَارِّ.
وَالثَّانِي وَنُقِلَ عَنْ الْقَدِيمِ يُشْتَرَطُ إذْ الْغَالِبُ عَلَى الْجُمُعَةِ التَّعَبُّدُ فَلَا يَنْتَقِلُ مِنْ الظُّهْرِ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ.
وَلَوْ كَانَ فِي الْقَرْيَةِ أَرْبَعُونَ أَخْرَسَ فَهَلْ تَنْعَقِدُ جُمُعَتُهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا عَدَمُ الِانْعِقَادِ لِفَقْدِ الْخُطْبَةِ، فَإِنْ وُجِدَ مَنْ يَخْطُبُ لَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ بِهِمْ صَمَمٌ يَمْنَعُ السَّمَاعَ انْعَقَدَتْ بِهِمْ لِأَنَّهُمْ يَتَّعِظُونَ، وَتَنْعَقِدُ بِأَرْبَعِينَ مِنْ الْجِنِّ أَوْ مِنْهُمْ وَمِنْ الْإِنْسِ، قَالَهُ الْقَمُولِيُّ: أَيْ إنْ عُلِمَ وُجُودُ الشُّرُوطِ فِيهِمْ وَقَيَّدَهُ الدَّمِيرِيِّ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ بِمَا إذَا تَصَوَّرُوا بِصُورَةِ بَنِي آدَمَ، وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ مِنْ كُفْرِ مُدَّعَى رُؤْيَتِهِمْ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ، لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ ادَّعَى رُؤْيَتَهُمْ عَلَى مَا خُلِقُوا عَلَيْهِ وَكَلَامُنَا فِيمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ عَلَى صُورَةِ بَنِي آدَمَ.
(وَلَوْ) (انْفَضَّ الْأَرْبَعُونَ) الْحَاضِرُونَ (أَوْ بَعْضُهُمْ فِي الْخُطْبَةِ) (لَمْ يُحْسَبُ الْمَفْعُولُ) مِنْ أَرْكَانِهَا (فِي غَيْبَتِهِمْ) لِانْتِفَاءِ سَمَاعِهِمْ لَهُ وَسَمَاعُهَا وَاجِبٌ {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤] إذْ الْمُرَادُ بِهِ الْخُطْبَةُ كَمَا قَالَهُ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ، وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَسْمَعَ الْأَرْبَعُونَ جَمِيعَ أَرْكَانِهَا، وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا الْخِلَافُ الْآتِي فِي
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ الْمُقَرَّرَيْنِ فِي كَلَامِهِمْ، وَعَلَيْهِ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ التَّعْبِيرُ بِالْأَظْهَرِ أَوْ الْمَشْهُورِ.
(قَوْلُهُ: انْعَقَدَتْ بِهِمْ) أَيْ حَيْثُ كَانَ الْإِمَامُ نَاطِقًا وَإِلَّا فَلَا لِعَدَمِ صِحَّةِ إمَامَةِ الْأَخْرَسِ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ يَتَّعِظُونَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ صِحَّةِ جُمُعَةِ الْأَرْبَعِينَ إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ أُمِّيًّا لَمْ يَقْصُرْ فِي التَّعَلُّمِ، أَمَّا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ مَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيّ وَهُوَ ضَعِيفٌ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا لِارْتِبَاطِ صِحَّةِ صَلَاةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ فَالْقِيَاسُ هُنَا عَدَمُ الصِّحَّةِ (قَوْلُهُ: مِنْ الْجِنِّ) قَدْ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءُ بِكَوْنِ بَعْضِ الْأَرْبَعِينَ مِنْ الْجِنِّ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَهَا أَرْبَعُونَ مِنْ الْجِنِّ مُتَوَطِّنُونَ بِالْقَرْيَةِ لَمْ يَأْثَمْ إنْسُ الْقَرْيَةِ بِتَعْطِيلِ الْقَرْيَةِ مِنْهَا حَتَّى يَجُوزَ لَهُمْ الذَّهَابُ لِفِعْلِهَا فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى وَقَدْ يُسْتَبْعَدُ ذَلِكَ فَلْيُحَرَّرْ انْتَهَى سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْإِنْسِ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْأَرْبَعِينَ إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْجِنِّ وَبَعْضُهُمْ مِنْ الْإِنْسِ انْعَقَدَتْ بِهِمْ.
وَنَقَلَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنَّا بِفِعْلِ الْجِنِّ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيمَا اجْتَمَعُوا مَعَ الْإِنْسِ كَوْنُ الْجِنِّ زَائِدِينَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْقَمُولِيِّ، وَالْأَقْرَبُ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ، ثُمَّ عَلَى نَقْلٍ عَنْ حَجَرٍ: لَوْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ أَرْبَعُونَ وَأَرَادُوا فِعْلَ الْجُمُعَةِ فِي غَيْرِ قَرْيَتِهِمْ اكْتِفَاءً بِفِعْلِ أَرْبَعِينَ مِنْ الْجِنِّ فِي قَرْيَتِهِمْ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلِمُوا إقَامَتَهَا بِأَرْبَعِينَ مِنْ الْإِنْسِ فِي قَرْيَتِهِمْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ عَلِمَ بِذَلِكَ جَوَازُ السَّفَرِ إلَى غَيْرِ قَرْيَتِهِ حَيْثُ أَدْرَكَ فِيهَا الْجُمُعَةَ (قَوْلُهُ: أَيْ إنْ عُلِمَ وُجُودُ الشُّرُوطِ فِيهِمْ) وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا مِنْهُمْ كَوْنُهُمْ فِي أَرْضِنَا مَثَلًا أَوْ فِي الْأَرْضِ الثَّانِيَةِ أَمْ لَا يُشْتَرَطُ فَتَنْعَقِدُ بِهِمْ وَإِنْ كَانَ مَسْكَنُهُمْ فِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: مَنْ وَقَفَ أَرْضًا سَرَتْ وَقْفِيَّتُهَا إلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ فِيهَا هُوَ مِنْ أَهْلِهَا.
نَعَمْ إنْ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ مَسَافَةٌ تَزِيدُ عَلَى ثَلَثِمِائَةِ ذِرَاعٍ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ لَا تَصِحُّ لِلْبُعْدِ كَالْإِنْسِ إذَا بَعُدُوا عَنْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: بِمَا إذَا تَصَوَّرُوا بِصُورَةِ بَنِي آدَمَ) تَقَدَّمَ عَنْ سم فِي مَوَاضِعَ مِنْ نَظَائِرِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ (قَوْلُهُ: عَنْ النَّصِّ مِنْ كُفْرِ مُدَّعِي رُؤْيَتِهِمْ) عِبَارَةُ حَجَرٍ: وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ يُعْذَرُ مُدَّعِي رُؤْيَتِهِمْ مَحْمُولٌ عَلَى مُدَّعِيهَا فِي صُوَرِهِمْ الْأَصْلِيَّةِ إلَخْ، وَالْأَقْرَبُ مَا قَالَهُ حَجَرٌ، وَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْكُفْرِ تَحْرِيفٌ، وَلَعَلَّ الْأَصْلَ مِنْ كَفِّ مُدَّعِي إلَخْ (قَوْلُهُ: عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ) هُوَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: ٢٧] .
ــ
[حاشية الرشيدي]
نَوْعُ مُخَالَفَةٍ لِلْإِفْتَاءِ الْأَوَّلِ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: مَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ مِنْ كُفْرِ مُدَّعِي رُؤْيَتِهِمْ إلَخْ) عِبَارَةُ الشِّهَابِ حَجّ: وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ يُعَزَّزُ مُدَّعِي رُؤْيَتَهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى مُدَّعِيهَا فِي صُورَتِهِمْ الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي خُلِقُوا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ انْتَهَتْ. وَكَانَ وَجْهُ التَّعْزِيرِ دُونَ الْكُفْرِ أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ نَصًّا فِي امْتِنَاعِ رُؤْيَتِهِمْ كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَسَمَاعُهَا وَاجِبٌ) أَيْ