وَالزَّرْكَشِيِّ، بَلْ صَوَّبَهُ خِلَافًا لِلْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الْجُمُعَةِ خَلْفَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَعَلَّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي: أَيْ وَمِنْ تَبِعَهُ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَالَ إنَّهُ الْقِيَاسُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ خَلْفَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ.
فَإِنْ قِيلَ إحْرَامُ الْإِمَامِ ضَرُورِيٌّ فَاغْتُفِرَ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ. قُلْنَا: لَا ضَرُورَةَ إلَى إمَامَتِهِ فِيهَا، وَأَيْضًا تَعْظُمُ الْمَشَقَّةُ عَلَى مَنْ لَا تَنْعَقِدُ بِهِ فِي تَكْلِيفِهِ بِمَعْرِفَةِ تَقَدُّمِ إحْرَامِ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ عَلَى إحْرَامِهِ.
وَلَوْ أَكْرَهَ الْإِمَامُ أَهْلَ الْقَرْيَةِ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْهَا وَتَعْطِيلِهَا وَالْبِنَاءِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَسَكَنُوا فِيهِ وَهُمْ مُكْرَهُونَ وَقَصْدُهُمْ الْعَوْدُ إذَا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ الْمَنْقُولِ إلَيْهَا؟ أَفْتَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّهُمْ لَا تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ بَلْ لَا تَصِحُّ مِنْهُمْ لَوْ فَعَلُوهَا لِفَقْدِ الِاسْتِيطَانِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَخَرَجَ بِتَوَطُّنِهِمْ فِي بَلَدِ الْجُمُعَةِ مَا لَوْ تَقَارَبَتْ قَرْيَتَانِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ أَرْبَعِينَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَبَلَغُوا أَرْبَعِينَ فَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ وَإِنْ سَمِعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ نِدَاءَ الْأُخْرَى لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ غَيْرُ مُتَوَطِّنِينَ فِي مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي بَلْدَةٍ يُقِيمُ عِنْدَ كُلٍّ يَوْمًا مَثَلًا انْعَقَدَتْ بِهِ الْجُمُعَةُ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي إقَامَتُهُ فِيهِ أَكْثَرُ دُونَ الْأُخْرَى، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِيهَا انْعَقَدَتْ بِهِ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي مَالُهُ فِيهَا أَكْثَرُ دُونَ الْأُخْرَى، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِيهِ اُعْتُبِرَتْ نِيَّتُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ اُعْتُبِرَ الْمَوْضِعُ الَّذِي هُوَ فِيهِ كَذَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَفْتَى أَيْضًا فِيمَنْ سَكَنَ بِزَوْجَتِهِ فِي مِصْرَ مَثَلًا وَبِأُخْرَى فِي الْخَانْكَةِ مَثَلًا وَلَهُ زِرَاعَةٌ بَيْنَهُمَا وَيُقِيمُ فِي الزِّرَاعَةِ غَالِبَ نَهَارِهِ وَيَبِيتُ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا لَيْلَةً فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ بِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُتَوَطِّنٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى يَحْرُمَ عَلَيْهِ سَفَرُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ لِمَكَانٍ تَفُوتُ بِهِ إلَّا
لِخَوْفِ
ضَرَرٍ.
وَالصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ (انْعِقَادُهَا بِالْمَرْضَى) لِكَمَالِهِمْ وَعَدَمُ الْوُجُوبِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِمْ. وَالثَّانِي لَا كَالْمُسَافِرِينَ (وَ) الصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا (أَنَّ الْإِمَامَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِهِ دَاخِلَهُ وَلَا عَكْسُهُ، لِأَنَّ خَارِجَ السُّورِ وَدَاخِلَهُ كَقَرْيَتَيْنِ، وَفِي شَرْحِ حَجَرٍ هُنَا مَا يُوَافِقُ كَلَامَ الشَّارِحِ، لَكِنْ فِي فَتَاوَى حَجَرٍ مَا نَصُّهُ: سُئِلَ عَنْ قَرْيَةٍ لَهَا سُورٌ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ لَازَمَ أَهْلُ الْخِيَامِ الصَّحْرَاءَ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قِيلَ تَقَدَّمَ إلَخْ) أَيْ اعْتِرَاضًا عَلَى جَعْلِ كَلَامِ الْقَاضِي مُفَرَّعًا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ إمَامَةِ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ: قُلْنَا لَا ضَرُورَةَ إلَى إمَامَتِهِ) قَالَ سم عَلَى شَرْحِ الْبَهْجَةِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ: قَدْ يُقَالُ: يَكْفِي فِي الْجَوَابِ أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ الِاحْتِيَاجَ إلَيْهِ وَتَقَدُّمَ إحْرَامِهِ فَلَا نَظَرَ لِلْأَفْرَادِ الْخَاصَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ) أَيْ لَكِنْ لَوْ سَمِعُوا النِّدَاءَ مِنْ قَرْيَةٍ أُخْرَى وَجَبَ عَلَيْهِمْ السَّعْيُ إلَيْهَا (قَوْلُهُ يُقِيمُ عِنْدَ كُلٍّ يَوْمًا مَثَلًا) وَكَذَا مَنْ لَهُ مَسْكَنَانِ وَكَثُرَتْ إقَامَتُهُ فِي أَحَدِهِمَا وَزَوْجَتُهُ فِي الْآخَرِ أَوْ لَا زَوْجَةَ لَهُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَتَعْبِيرُهُ بِالزَّوْجَتَيْنِ مُجَرَّدُ تَصْوِيرٍ (قَوْلُهُ: فَإِنْ اسْتَوَيَا فِيهَا) أَيْ الْإِقَامَةِ (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ الْمَالِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُتَوَطِّنٌ) أَيْ فَتَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ فِيهِمَا.
(قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
الْقَضَاءِ.
(قَوْلُهُ: انْعَقَدَتْ بِهِ الْجُمُعَةُ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي إقَامَتُهُ فِيهَا أَكْثَرُ) فِيهِ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يُقِيمُ عِنْدَ كُلٍّ يَوْمًا، وَعُذْرُهُ أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيمَا فِي الْفَتَاوَى بِسَبْكِ السُّؤَالِ مَعَ الْجَوَابِ فَلَزِمَ مِنْهُ مَا ذُكِرَ.
وَعِبَارَةُ الْفَتَاوَى: سُئِلَ عَمَّنْ لَهُ زَوْجَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ فِي بَلْدَةٍ يُقِيمُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ يَوْمًا فَهَلْ تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ فِي كُلٍّ مِنْ الْبَلَدَيْنِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِالْمَذْكُورِ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي إقَامَتُهُ فِيهَا أَكْثَرُ إلَخْ.
فَمَا فِي الْجَوَابِ تَفْصِيلٌ لِلْمَسْأَلَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا فِي السُّؤَالِ مِنْ فَرْضِهِ فِي إقَامَتِهِ عِنْدَ كُلٍّ يَوْمًا، وَقَدْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ إقَامَتِهِ عِنْدَ كُلِّ زَوْجَةٍ يَوْمًا كَوْنُ إقَامَتِهِ فِي كُلٍّ مِنْ الْبَلَدَيْنِ كَذَلِكَ، فَقَدْ تَكُونُ إقَامَتُهُ فِي إحْدَاهُمَا أَكْثَرَ لَكِنْ لَا يَكُونُ عِنْدَ الزَّوْجَةِ جَمِيعَ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ، بَلْ يَكُونُ عِنْدَهَا فِيهَا يَوْمًا فَقَطْ وَيُقِيمُ الْبَاقِيَ فِي نَحْوِ الْمَسْجِدِ. (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُتَوَطِّنٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا) فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ