لَا بِالْفِعْلِ، إذْ لَوْ كَانَ سَمَاعُهُمْ بِالْفِعْلِ وَاجِبًا لَكَانَ الْإِنْصَاتُ مُتَحَتِّمًا، فَلَا يَكْفِي الْإِسْرَارُ كَالْأَذَانِ وَلَا إسْمَاعُ دُونَ أَرْبَعِينَ وَلَا مَنْ لَا تَنْعَقِدُ بِهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْخَطِيبِ إذَا كَانَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ أَصَمَّ لَمْ يَكْفِ وَهُوَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ بَعِيدٌ، بَلْ لَا مَعْنًى لَهُ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ مَا يَقُولُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ، وَلَا مَعْنًى لِأَمْرِهِ بِالْإِنْصَاتِ لِنَفْسِهِ، وَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ اشْتِرَاطِ مَعْرِفَةِ الْخَطِيبِ أَرْكَانَ الْخُطْبَةِ رُدَّ بِأَنَّ الْوَجْهَ خِلَافُهُ كَمَنْ يَؤُمُّ بِالْقَوْمِ وَلَا يَعْرِفُ مَعْنَى الْفَاتِحَةِ، وَلَوْ شَكَّ الْخَطِيبُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ خُطْبَتِهِ فِي تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ فَرَائِضِهَا لَمْ يُؤْثِرْ كَالشَّكِّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ.
(وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمْ عَلَيْهِمْ) يَعْنِي الْحَاضِرِينَ سَمِعُوا أَوْ لَا، وَيَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ الضَّمِيرُ لِلْأَرْبَعَيْنِ الْكَامِلِينَ، وَيُسْتَفَادُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ عَلَى مِثْلِهِمْ وَغَيْرِهِ بِالْمُسَاوَاةِ أَوْ الْأُولَى، وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ تَفْصِيلُ الْقَدِيمِ فِيهِمْ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ (الْكَلَامُ) لِمَا صَحَّ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَخْطُبُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا؛ وَأَنَّ رَجُلًا آخَرَ قَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَأَوْمَأَ النَّاسُ إلَيْهِ بِالسُّكُوتِ فَلَمْ يَقْبَلْ وَأَعَادَ الْكَلَامَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا أَعْدَدْت لَهَا؟ قَالَ: حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: إنَّك مَعَ مَنْ أَحْبَبْت» فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْكَلَامَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ وُجُوبُ السُّكُوتِ، وَالْأَمْرُ فِي الْآيَةِ لِلنَّدَبِ، وَمَا اُعْتُرِضَ بِهِ الِاسْتِدْلَال بِذَلِكَ مِنْ احْتِمَالِ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ تَكَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي مَوْضِعٍ وَلَا حُرْمَةَ حِينَئِذٍ قَطْعًا، أَوْ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، أَوْ أَنَّهُ مَعْذُورٌ لِجَهْلِهِ يُرَدُّ بِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ قَوْلِيَّةٌ وَالِاحْتِمَالُ يَعُمُّهَا، وَإِنَّمَا الَّذِي يَسْقُطُ بِاحْتِمَالِ الْوَاقِعَةِ الْفِعْلِيَّةِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ. لَا يُقَالُ بَلْ هِيَ فِعْلِيَّةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّهُ بِعَدَمِ إنْكَارِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّا نَمْنَعُ ذَلِكَ، بَلْ جَوَابُهُ لَهُ قَوْلٌ مُتَضَمِّنٌ لِجَوَازٍ سُؤَالِهِ عَلَى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ بِحَيْثُ لَوْ أَصْغَى لَسَمِعَ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ مَنْ نَعَسَ وَقْتَ الْخُطْبَةِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ أَصْلًا لَا يُعْتَدُّ بِحُضُورِهِ (قَوْلُهُ: لَا بِالْفِعْلِ) خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ بَعِيدٌ) أَيْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ أَصَمَّ أَوْ سَمِيعًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: مِنْ اشْتِرَاطِ مَعْرِفَةِ الْخَطِيبِ) أَيْ مَعْرِفَةِ مَعَانِيهَا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ كَمَنْ يَؤُمُّ بِالْقَوْمِ إلَخْ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ عَنْ سم مِنْ أَنَّهُ يَأْتِي فِي اعْتِبَارِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْأَرْكَانِ وَغَيْرِهَا هُنَا مَا مَرَّ إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ فَرَائِضِهَا لَمْ يُؤَثِّرْ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ إذَا شَكَّ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ فَرَاغِ الْأُولَى أَوْ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا فِي تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ الْأُولَى، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِيمَا لَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ مِنْ الضَّرَرِ وَبَقِيَ مَا لَوْ عَلِمَ تَرْكَ رُكْنٍ وَلَمْ يَدْرِ هَلْ هُوَ مِنْ الْأُولَى أَمْ مِنْ الثَّانِيَةِ، هَلْ تَجِبُ إعَادَتُهَا أَمْ إعَادَةُ الثَّانِيَةِ فَقَطْ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَجْلِسُ ثُمَّ يَأْتِي بِالْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ مِنْ الْأُولَى فَيَكُونُ جُلُوسُهُ لَغْوًا فَتَكْمُلُ بِالثَّانِيَةِ وَيُجْعَلُ مَجْمُوعُهُمَا خُطْبَةً وَاحِدَةً فَيَجْلِسُ بَعْدَهَا وَيَأْتِي بِالثَّانِيَةِ، وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِ الْمَتْرُوكِ مِنْ الثَّانِيَةِ فَالْجُلُوسُ بَعْدَهَا لَا يَضُرُّ، لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ جُلُوسٌ فِي الْخُطْبَةِ وَهُوَ لَا يَضُرُّ، وَمَا يَأْتِي بِهِ بَعْدَهُ تَكْرِيرٌ لِمَا أَتَى بِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَاسْتِدْرَاكٌ لِمَا تَرَكَهُ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ تَفْصِيلُ الْقَدِيمِ) لَمْ يَأْتِ لَهُ تَفْصِيلٌ فِي حِكَايَتِهِ الْآتِيَة، وَلَعَلَّهُ يَقُولُ: يَحْرُمُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ لَا عَلَى مَنْ زَادَ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ) أَيْ وَالْمَفْهُومُ إذَا كَانَ فِيهِ تَفْصِيلٌ لَا يُعْتَرَضُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّ رَجُلًا) هُوَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ، كَذَا بِهَامِشٍ عَنْ خَصَائِصِ الْجُمُعَةِ لِلسُّيُوطِيِّ (قَوْلُهُ: حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) هُوَ بِالنَّصْبِ بِتَقْدِيرِ أَعْدَدْت، وَيَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ. وَالْمَعْنَى: حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَعْدَدْته لَهَا، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى لِأَنَّ الْجَوَابَ يُقَدَّرُ مَعَهُ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ (قَوْلُهُ: وَالِاحْتِمَالُ يَعُمُّهَا) أَيْ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَيُسْتَفَادُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ عَلَى مِثْلِهِمْ) أَيْ فِي الْكَمَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute