الْأَصَحُّ أَنَّ تَرْتِيبَ الْأَرْكَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَاصِلٌ بِدُونِهِ، وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ فِي اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْأُمِّ وَالْمَبْسُوطِ، وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ فَقَطْ.
وَأَشَارَ إلَى سَادِسٍ لَهَا أَثَرًا ظَاهِرًا بِقَوْلِهِ (وَالْأَظْهَرُ:) (اشْتِرَاطُ الْمُوَالَاةِ) بَيْنَ أَرْكَانِهَا وَبَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّ الشُّرُوطَ فِي اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ وَحَدُّ الْمُوَالَاةِ مَا حُدَّ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ. وَالثَّانِي لَا تُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْوَعْظُ، وَهُوَ حَاصِلٌ مَعَ تَفْرِيقِ الْكَلِمَاتِ، وَذَكَرَ هَذَا هُنَا بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ لِعُمُومِهِ دَفْعًا لِمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ ذَاكَ خَاصٌّ بِحَالَةِ الِانْفِضَاضِ.
(وَ) السَّابِعُ مِنْ الشُّرُوطِ (طَهَارَةُ الْحَدَثِ) الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ (وَالْخَبَثِ) غَيْرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ عَلَى مَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ (وَ) الثَّامِنُ مِنْ الشُّرُوطِ (السَّتْرُ) أَيْ سَتْرُ الْعَوْرَةِ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ فَلَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ اسْتَأْنَفَهَا وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَقَصُرَ الْفَصْلُ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تُؤَدَّى بِطَهَارَتَيْنِ كَالصَّلَاةِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَحْدَثَ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَتَطَهَّرَ عَنْ قُرْبٍ لَمْ يَضُرَّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ طُهْرُ السَّامِعِينَ وَلَا سَتْرُهُمْ، وَأَغْرُبُ مِنْ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَاشْتِرَاطُ السَّتْرِ لَا يُغْنِي عَنْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ وُجُوبِهِ وَلَوْ فِي الْخَلْوَةِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْوُجُوبِ الِاشْتِرَاطُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا كَوْنُهُمْ بِمَحَلِّ الصَّلَاةِ وَلَا فَهْمُهُمْ لِمَا يَسْمَعُونَهُ كَمَا تَكْفِي قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ لِمَنْ لَا يَفْهَمُهَا، وَأَفَادَ اقْتِصَارُهُ عَلَى مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ نِيَّةُ الْخُطْبَةِ وَنِيَّةُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْفَاتِحَةِ.
(قَوْلُهُ: مَا حُدَّ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ) أَيْ بِأَنْ لَا يَكُونَ قَدْرُ رَكْعَتَيْنِ بِأَخَفِّ مُمْكِنٍ.
(قَوْلُهُ: طَهَارَةُ الْحَدَثِ) قَضِيَّةُ صَنِيعِهِ أَنَّ الطَّهَارَةَ وَمَا بَعْدَهَا بِالرَّفْعِ وَجَرِّهِ أَظْهَرُ لِيُفِيدَ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ صَرِيحًا، وَيُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ الْآتِي وَاشْتِرَاطُ السَّتْرِ إلَخْ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الْأَرْكَانِ وَغَيْرِهَا حَتَّى لَوْ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ فِي غَيْرِ الْأَرْكَانِ بَطَلَتْ خُطْبَتُهُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَحْدَثَ بَيْنَ الْأَرْكَانِ وَأَتَى مَعَ حَدَثِهِ بِشَيْءٍ مِنْ تَوَابِعِ الْخُطْبَةِ ثُمَّ اسْتَخْلَفَ عَنْ قُرْبٍ فَلَا يَضُرُّ فِي خُطْبَتِهِ مَا أَتَى بِهِ مِنْ غَيْرِ الْأَرْكَانِ مَعَ الْحَدَثِ، فَجَمِيعُ الشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرَهَا إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي الْأَرْكَانِ خَاصَّةً (قَوْلُهُ: طَهَارَةُ الْحَدَثِ) أَيْ فَلَوْ بَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا أَوْ ذَا نَجَاسَةٍ خَفِيَّةٍ. قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ: لَا يَبْعُدُ الِاكْتِفَاءُ بِالْخُطْبَةِ كَمَا لَوْ بَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ مَعَ أَنَّهُ شَرْطٌ اهـ. وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ لَوْ خَطَبَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ ثُمَّ بَانَ قَادِرًا عَلَى السُّتْرَةِ.
[فَرْعٌ] اعْتَمَدَ م ر أَنَّ الْخَطِيبَ لَوْ أَحْدَثَ جَازَ الِاسْتِخْلَافُ وَالْبِنَاءُ عَلَى خُطْبَتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا أَهْلِيَّةَ لَهُ، بِخِلَافِ الْمُحْدِثِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ إذَا بَانَ مُحْدِثًا، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُقَالُ: هَلَّا جَازَ لِلْقَوْمِ اسْتِخْلَافُ مَنْ يَبْنِي عَلَى خُطْبَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ، كَمَا جَازَ لَهُمْ الِاسْتِخْلَافُ فِي الصَّلَاةِ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِيهَا، كَمَا شَمَلَهُ قَوْلُهُمْ إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ جَازَ لَهُمْ الِاسْتِخْلَافُ وَيُفَرَّق بِأَنَّ الصَّلَاةَ بَاقِيَةٌ مِنْ الْقَوْمِ وَإِنَّمَا بَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَحْدَهُ فَجَازَ الِاسْتِخْلَافُ، بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ فَإِنَّهَا مِنْ الْخَطِيبِ وَحْدَهُ، فَإِذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَلَا يُسْتَخْلَفُ لِئَلَّا تَصِيرَ نَفْسُ الْخُطْبَةِ مُلَفَّقَةً مِنْ شَخْصَيْنِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. وَقَوْلُ سم وَيُفَرَّقُ بِأَنْ إلَخْ: أَيْ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يُفَرَّقُ إلَخْ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ لَا مِنْ الْإِمَامِ وَلَا مِنْ الْقَوْمِ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ) أَيْ أَمَّا لَوْ اسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ بَنَى عَلَى مَا مَضَى، وَعَلَيْهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا لَوْ تَطَهَّرَ عَنْ قُرْبٍ حَيْثُ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْبِنَاءُ وَبَيْنَ مَا لَوْ اسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ أَنَّ فِي بِنَاءِ الْخَطِيبِ تَكْمِيلًا عَلَى مَا فَسَدَ بِحَدَثِهِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَلَا كَذَلِكَ فِي بِنَاءِ غَيْرِهِ لِأَنَّ سَمَاعَهُ لِمَا مَضَى مِنْ الْخُطْبَةِ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ مَا يُبْطِلُهُ فَجَازَ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ اهـ حَجّ.
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَا فَهْمُهُمْ لِمَا يَسْمَعُونَهُ) لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ الْأَلْفَاظَ لَكِنْ لَا يَعْرِفُونَ مَدْلُولَاتِهَا، وَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَكْفِي سَمَاعُهُمْ مُجَرَّدَ الصَّوْتِ مِنْ بَعِيدٍ مِنْ غَيْرِ سَمَاعِ الْأَلْفَاظِ وَتَقَاطِيعِ الْحُرُوفِ فَلْيُرَاجَعْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute