فَرْضِيَّتِهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لِأَنَّ ذَلِكَ مُمْتَازٌ بِصُورَتِهِ مُنْصَرِفٌ إلَى اللَّهِ بِحَقِيقَتِهِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةِ صَرْفِهِ إلَيْهِ، وَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَاضِي، وَجَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ مِنْ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى ضَعِيفٍ وَهُوَ أَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ رَكْعَتَيْنِ. نَعَمْ يُشْتَرَطُ عَدَمُ الصَّارِفِ فِيمَا يَظْهَرُ.
وَالشَّرْطُ التَّاسِعُ مِنْ الشُّرُوطِ تَقْدِيمُهَا عَلَى الصَّلَاةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي مُسْتَحَبَّاتِ الْخُطْبَةِ فَقَالَ (وَتُسَنُّ) الْخُطْبَةُ (عَلَى مِنْبَرٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّبْرِ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ، وَأَنْ يَكُونَ الْمِنْبَرُ عَلَى يَمِينِ مُصَلَّى الْإِمَامِ لِأَنَّ مِنْبَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَكَذَا وُضِعَ، وَكَانَ يَخْطُبُ قَبْلَهُ عَلَى الْأَرْضِ، وَعَنْ يَسَارِهِ جِذْعُ نَخْلَةٍ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ كَانَ ثَلَاثَ دَرَجٍ غَيْرَ الدَّرَجَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْمُسْتَرَاحِ، وَكَانَ يَقِفُ عَلَى الثَّالِثَةِ، فَيُنْدَبُ الْوُقُوفُ عَلَى الَّتِي تَلِي الْمُسْتَرَاحَ، فَإِنْ طَالَ الْمِنْبَرُ فَعَلَى السَّابِعَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، لِمَا نُقِلَ أَنَّ مَرْوَانَ زَادَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْمِنْبَرِ الْأَوَّلِ سِتَّ دَرَجٍ فَصَارَ عَدَدُ دَرَجِهِ تِسْعَةً، وَكَانَ الْخُلَفَاءُ يَقِفُونَ عَلَى السَّابِعَةِ وَهِيَ الْأَوْلَى، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقِبْلَةِ قَدْرُ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ، قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اسْتِحْبَابُهَا عَلَى مِنْبَرٍ وَلَوْ بِمَكَّةَ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَإِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ: الْخَطَابَةُ بِمَكَّةَ عَلَى مِنْبَرٍ بِدْعَةٌ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يُخْطَبَ عَلَى الْبَابِ كَمَا فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ، وَإِنَّمَا أَحْدَثَ الْمِنْبَرَ بِمَكَّةَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَيُكْرَهُ مِنْبَرٌ كَبِيرٌ يُضَيِّقُ عَلَى الْمُصَلِّينَ، وَيُسْتَحَبُّ التَّيَامُنُ فِي الْمِنْبَرِ الْوَاسِعِ (أَوْ) عَلَى مَوْضِعٍ (مُرْتَفِعٍ) لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ فِي الْإِعْلَامِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْبَرٌ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَإِنْ اقْتَضَتْ عِبَارَةُ الْكِتَابِ التَّسْوِيَةَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتَنَدَ إلَى نَحْوِ خَشَبَةٍ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ قَبْلَ الْمِنْبَرِ (وَيُسَلِّمُ) عِنْدَ دُخُولِهِ عَلَى الْحَاضِرِينَ لِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ (عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ) نَدْبًا إذَا انْتَهَى إلَيْهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلِمُفَارِقَتِهِ إيَّاهُمْ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَتْ الصُّفُوفُ بَيْنَ الْبَابِ وَالْمِنْبَرِ لَا يُسَلِّمُ إلَّا عَلَى الصَّفِّ الَّذِي عِنْدَ الْبَابِ وَالصَّفِّ الَّذِي عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا هُوَ الْقِيَاسُ سَنُّ السَّلَامِ عَلَى كُلِّ صَفٍّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ، وَلَعَلَّ اقْتِصَارَهُمْ عَلَى ذَيْنِك لِأَنَّهُمَا آكَدُّ، وَقَدْ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ بِنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا تُسَنُّ لَهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ.
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَائِدَةٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ رَأَى حَنَفِيًّا مَسَّ فَرْجَهُ مَثَلًا ثُمَّ خَطَبَ فَهَلْ تَصِحُّ خُطْبَتُهُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ الصِّحَّةُ، وَيُوَجَّهُ بِمَا صَرَّحُوا بِهِ أَنَّا نَحْكُمُ بِصِحَّةِ عِبَادَةِ الْمُخَالِفِينَ حَيْثُ قَلَّدُوا تَقْلِيدًا صَحِيحًا، وَإِنَّمَا امْتَنَعَتْ الْقُدْوَةُ بِهِمْ لِلرَّبْطِ الْحَاصِلِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ الْمُقْتَضِي لِجَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ وَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى اعْتِقَادِ صِحَّةِ صَلَاتِهِ، وَلَا ارْتِبَاطَ بَيْنَ السَّامِعِينَ وَالْخَطِيبِ، فَحَيْثُ حُكِمَ بِصِحَّةِ عِبَادَتِهِ اُكْتُفِيَ بِخُطْبَتِهِ لَكِنَّا لَا نُصَلِّي خَلْفَهُ، فَإِنْ أَمَّ غَيْرُهُ جَازَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ: بَلْ الْمُتَعَيَّنُ عَدَمُ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا رَابِطَةٌ لَكِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى فَسَادِ نِيَّةِ الْمَأْمُومِ لِاعْتِقَادِهِ حِينَ النِّيَّةِ أَنَّهُ يُصَلِّي صَلَاةً لَمْ تُسْبَقْ بِخُطْبَةٍ فِي اعْتِقَادِهِ.
(قَوْلُهُ: فَصَارَ عَدَدُ دَرَجِهِ تِسْعَةً) لَعَلَّهُ لَمْ يَعُدَّ الدَّرَجَةَ الْمُسَمَّاةَ بِالْمُسْتَرَاحِ وَإِلَّا فَيَكُونُ عَشَرَةً (قَوْلُهُ: عَلَى السَّابِعَةِ وَهِيَ الْأُولَى) وَعَلَيْهِ فَصُورَةُ مَا فَعَلُوهُ أَنَّهُ رَفَعَ الْمِنْبَرَ بَاقِيًا بِصُورَتِهِ وَجَعَلَ تَحْتَهُ الدَّرَجَ الْمَذْكُورَ (قَوْلُهُ: بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقِبْلَةِ) لَعَلَّ حِكْمَتَهُ أَنْ يَتَأَتَّى لَهُ الْمُبَادَرَةُ لِلْقِبْلَةِ مَعَ فَرَاغِ الْإِقَامَةِ، وَعَلَيْهِ فَمَا يَفْعَلُ الْآنَ مِنْ قُرْبِهِ مِنْهُ جِدًّا خِلَافُ الْأَوْلَى، لَكِنَّهُ ادَّعَى الْمُبَادَرَةَ إلَى الْمِحْرَابِ بَعْدَ فَرَاغِ الْخُطْبَةِ (قَوْلُهُ: أَنْ يَخْطُبَ عَلَى الْبَابِ) أَيْ بَابِ الْكَعْبَةِ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ التَّيَامُنُ) أَيْ لِلْخَطِيبِ وَهُوَ الْقُرْبُ مِنْ جِهَةِ الْيَمِينِ (قَوْلُهُ: أَوْ مُرْتَفِعٍ) وَالسُّنَّةُ فِيهِ أَنْ لَا يُبَالَغَ فِي ارْتِفَاعِهِ بِحَيْثُ يَزِيدُ عَلَى الْمَنَابِرِ الْمُعْتَادَةِ (قَوْلُهُ: وَلِمُفَارَقَتِهِ إيَّاهُمْ) أَيْ بِاشْتِغَالِهِ بِصُعُودِهِ الْمِنْبَرَ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ فَارَقَ الْقَوْمَ لِشُغْلٍ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِمْ سَنَّ لَهُ السَّلَامُ وَإِنْ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ جِدًّا (قَوْلُهُ وَلَا يُسَنُّ لَهُ تَحِيَّةٌ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّحِيَّةَ لِمَنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ أَتَاهُ، وَمِنْهُ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute