يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ) بِوَجْهِهِ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِأَدَبِ الْخِطَابِ، وَلِأَنَّهُ أَبْلَغِ لِقَبُولِ الْوَعْظِ وَتَأْثِيرِهِ وَمِنْ ثَمَّ كُرِهَ خِلَافُهُ. نَعَمْ يَظْهَرُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي اسْتِقْبَالِهِمْ لِنَحْوِ ظَهْرِهِ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ الْمَارَّةِ، وَلِأَنَّهُمْ مُحْتَاجُونَ لِذَلِكَ فِيهِ غَالِبًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الِاسْتِدَارَةِ الْمَنْدُوبَةِ لَهُمْ كَمَا مَرَّ (إذَا صَعِدَ) الدَّرَجَةَ الَّتِي تَحْتَ الْمُسْتَرَاحِ أَوْ اسْتَنَدَ إلَى مَا يُسْتَنَدُ إلَيْهِ (وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ) نَدْبًا لِلِاتِّبَاعِ وَلِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِمْ، وَيَجِبُ رَدُّ السَّلَامِ عَلَيْهِ فِي الْحَالَيْنِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالسَّلَامِ فِي بَاقِي الْمَوَاضِعِ، وَيُنْدَبُ رَفْعُ صَوْتِهِ زِيَادَةً عَلَى الْوَاجِبِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْأَعْلَامِ (وَيَجْلِسُ) بَعْدَ سَلَامِهِ عَلَى الْمُسْتَرَاحِ لِيَسْتَرِيحَ مِنْ تَعَبِ الصُّعُودِ (ثُمَّ) هِيَ بِمَعْنَى الْفَاءِ الَّتِي أَفَادَتْهَا عِبَارَةُ أَصْلِهِ (يُؤَذَّنُ) بِفَتْحِ الذَّالِ فِي حَالِ جُلُوسِهِ، قَالَهُ الشَّارِحُ، وَضَبَطَهُ الدَّمِيرِيِّ بِكَسْرِهَا لِيُوَافِقَ مَا فِي الْمُحَرَّرِ مِنْ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ كَوْنُ الْمُؤَذِّنِ وَاحِدًا لَا جَمَاعَةً كَمَا اسْتَحَبَّهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ. وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ: وَأُحِبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ إذَا كَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ لَا جَمَاعَةُ الْمُؤَذِّنِينَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ أَذَّنُوا جَمَاعَةً كَرِهْت ذَلِكَ، وَلَا يُفْسِدُ شَيْءٌ مِنْهُ الصَّلَاةَ لِأَنَّ الْأَذَانَ لَيْسَ مِنْ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ إلَيْهَا، وَمَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ لَا يُنَافِي كَوْنَ الْمُؤَذِّنِ وَاحِدًا كَمَا لَا يَخْفَى، وَأَمَّا مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي زَمَنِنَا مِنْ مَرَقٍ يَخْرُجُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ يَقُولُ إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ الْآيَةَ ثُمَّ يَأْتِي بِالْحَدِيثِ فَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي السُّنَّةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَمْ يُفْعَلْ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ كَانَ يُمْهِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا خَرَجَ إلَيْهِمْ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ جَاوِيشٍ يَصِيحُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَجْلِسُ وَيَأْخُذُ بِلَالٌ فِي الْأَذَانِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْخُطْبَةِ لَا بِأَثَرٍ وَلَا خَبَرٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الثَّلَاثَةُ بَعْدَهُ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ، إذْ فِي قِرَاءَةِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ تَنْبِيهٌ وَتَرْغِيبٌ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ كَانَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ وَأَرَادَ الْخُطْبَةَ سُنَّ لَهُ فِعْلُ رَاتِبَتِهَا قَبْلَ الصُّعُودِ.
(قَوْلُهُ: اللَّائِقُ بِأَدَبِ الْخِطَابِ) وَفِي نُسْخَةِ الْخُطَبَاءِ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي اسْتِقْبَالِهِمْ) أَيْ لِأَنَّهُمْ يَسْتَدْبِرُونَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَلَا يَتَأَتَّى لِجَمِيعِهِمْ الِاسْتِقْبَالُ، بَلْ بَعْضُهُمْ يَسْتَقْبِلُ وَجْهَهُ وَبَعْضُهُمْ يَسْتَقْبِلُ ظَهْرَهُ (قَوْلُهُ: أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ الْمَارَّةِ) هِيَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ إلَخْ (قَوْلُهُ: إذَا صَعِدَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: وَيَجْلِسُ بَعْدَ سَلَامِهِ) أَيْ فَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ قَبْلَ الْجُلُوسِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَهُ وَيَحْصُلُ لَهُ أَصْلُ السُّنَّةِ (قَوْلُهُ إلَّا مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ) أَيْ لَمْ يُؤَذِّنْ بَيْنَ يَدَيْهِ إلَّا مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ فَلَا يُنَافِي أَنَّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَذَّنُوا جَمَاعَةً كَرِهْت ذَلِكَ) قَالَ حَجّ: إلَّا لِعُذْرٍ انْتَهَى: أَيْ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ بِأَنْ اتَّسَعَ الْمَسْجِدُ جِدًّا وَلَمْ يَكْفِ الْوَاحِدُ تَعَدَّدَ الْمُؤَذِّنُونَ فِي نَوَاحِي الْمَسْجِدِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَلَا يَجْتَمِعُونَ لِلْأَذَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَهْجَةِ حَيْث ُ قَالَ:
وَهِيَ فُرَادَى أُدْرِجَتْ وَيُنْدَبُ ... لِمَنْ يُؤَذِّنُونَ أَنْ يُرَتَّبُوا
إنْ يَتَّسِعْ لَهُمْ جَمِيعًا زَمَنٌ ... فَإِنْ يَضِقْ تَفَرَّقُوا وَأَذَّنُوا
أَيْ فِي نَوَاحِي مَسْجِدٍ يَحْتَمِلُ
(قَوْلُهُ ثُمَّ يَأْتِي بِالْحَدِيثِ) أَيْ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ إذَا قُلْت لِصَاحِبِك إلَخْ بَعْدَ الْأَذَانِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: بَلْ كَانَ بِمَهْلٍ) أَيْ إلَخْ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ الْمَارَّةِ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَيُسَنُّ الْإِنْصَاتُ وَهِيَ مَا فِيهِ مِنْ تَوَجُّهِهِمْ لِلْقِبْلَةِ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ (قَوْلُهُ: وَيُنْدَبُ رَفْعُ صَوْتِهِ) يَعْنِي بِالْخُطْبَةِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ زِيَادَةً عَلَى الْوَاجِبِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ هَذَا لِمَحَلِّهِ (قَوْلُهُ: فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ الشِّهَابُ حَجّ لَكِنَّهَا حَسَنَةٌ، وَإِلَّا فَفِي عِلْمِ كَوْنِهَا حَسَنَةً مِمَّا ذَكَرَ نَظَرٌ ظَاهِرٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute