الْأُخْرَى فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَيُكْرَهُ لَهُ وَلَهُمْ الشُّرْبُ مِنْ غَيْرِ عَطَشٍ، فَإِنْ حَصَلَ فَلَا، وَإِنْ لَمْ يَشْتَدَّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا.
وَيُكْرَه مَا ابْتَدَعَهُ جَهَلَةُ الْخُطَبَاءِ مِنْ الْإِشَارَةِ بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا وَالِالْتِفَاتِ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَدَقِّ الدَّرَجَةِ فِي صُعُودِهِ بِنَحْوِ سَيْفٍ أَوْ رِجْلِهِ، وَالدُّعَاءِ إذَا انْتَهَى إلَى الْمُسْتَرَاحِ قَبْلَ جُلُوسِهِ عَلَيْهِ وَقَوْلُ الْبَيْضَاوِيِّ: يَقِفُ فِي كُلِّ مِرْقَاةٍ وَقْفَةً خَفِيفَةً يَسْأَلُ الْمَعُونَةَ وَالتَّسْدِيدَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ، وَمُبَالَغَتُهُ لِلْإِسْرَاعِ فِي الثَّانِيَةِ وَخَفْضُ الصَّوْتِ بِهَا وَالِاحْتِبَاءُ حَالَ الْخُطْبَةِ لِلنَّهْيِ الصَّحِيحِ عَنْهُ وَلِجَلْبِهِ النَّوْمَ، وَيُسَنُّ أَنْ يَخْتِمَ الثَّانِيَةَ بِقَوْلِهِ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، وَمِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ كَمَا قَالَهُ الْقَمُولِيُّ كَابْنِ النَّحَّاسِ وَغَيْرِهِ كَتْبُ كَثِيرٍ أَوْرَاقًا يُسَمُّونَهَا حَفَائِظَ آخِرِ جُمُعَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ حَالَ الْخُطْبَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاشْتِغَالِ عَنْ الِاسْتِمَاعِ وَكِتَابَةِ مَا لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ، وَقَدْ يَكُونُ دَالًّا عَلَى مَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَمِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ مِنْ بَلْدَتِنَا أَنْ يُمْسِكَ الْخَطِيبُ حَالَ خُطْبَتِهِ حَرْفَ الْمِنْبَرِ وَيَكُونُ فِي جَانِبِ ذَلِكَ الْمِنْبَرِ عَاجٌ غَيْرُ مُلَاقٍ لَهُ، وَقَدْ أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِصِحَّةِ خُطْبَتِهِ، كَمَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى عَلَى سَرِيرٍ قَوَائِمُهُ فِي نَجَسٍ أَوْ عَلَى حَصِيرٍ مَفْرُوشٍ عَلَى نَجَسٍ أَوْ بِيَدِهِ حَبْلٌ مَشْدُودٌ فِي سَفِينَةٍ فِيهَا نَجَاسَةٌ وَهِيَ كَبِيرَةٌ لَا تَنْجَرُّ بِجَرِّهِ لِأَنَّهَا كَالدَّارِ، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً تَنْجَرُّ بِجَرِّهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَصُورَةُ مَسْأَلَةِ السَّفِينَةِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ أَنْ تَكُونَ فِي الْبَحْرِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي الْبَرِّ لَمْ تَبْطُلْ قِطَعًا صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً انْتَهَى. وَإِنَّمَا بَطَلَتْ صَلَاةُ الْقَابِضِ طَرَفَ شَيْءٍ عَلَى نَجَسٍ وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ لِحَمْلِهِ مَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِنَجَسٍ، وَلَا يُتَخَيَّلُ فِي مَسْأَلَتِنَا أَنَّهُ حَامِلٌ لِلْمِنْبَرِ.
(وَأَنْ يَكُونَ جُلُوسُهُ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ (نَحْوَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ) تَقْرِيبًا (وَإِذَا فَرَغَ) مِنْ الْخُطْبَةِ (شَرَعَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَبَادَرَ الْإِمَامُ) نَدْبًا (لِيَبْلُغَ الْمِحْرَابَ مَعَ فَرَاغِهِ) مِنْ الْإِقَامَةِ مُبَالَغَةً فِي تَحَقُّقِ الْمُوَالَاةِ وَتَخْفِيفًا عَلَى الْحَاضِرِينَ.
وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ غَيْرَ الْخَطِيبِ وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ الْمِحْرَابِ أَوْ بَطِيءُ النَّهْضَةِ سُنَّ لَهُ الْقِيَامُ بِقَدْرٍ يَبْلُغُ بِهِ الْمِحْرَابَ، وَإِنْ فَاتَتْهُ سُنَّةُ تَأَخُّرِ الْقِيَامِ إلَى فَرَاغِ الْإِقَامَةِ (وَيَقْرَأُ) نَدْبًا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى الْجُمُعَةَ وَ) فِي (الثَّانِيَةِ الْمُنَافِقِينَ) بِكَمَالِهِمَا أَوْ سَبِّحْ وَهَلْ أَتَاك،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأُولَى أَوْلَى لِلْأَمْرِ بِهَا فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ يُشْعِرُ بِهِ التَّقْدِيمُ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ لَهُ) أَيْ حَالَ الْخُطْبَةِ (قَوْلُهُ: يَقِفُ فِي كُلِّ مِرْقَاةٍ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: الْمِرْقَاةُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: الدَّرَجَةُ، فَمَنْ كَسَرَ شَبَّهَهَا بِالْآلَةِ الَّتِي يَعْمَلُ بِهَا، وَمَنْ فَتَحَ جَعَلَهَا مَوْضِعَ الْفِعْلِ (قَوْلُهُ: غَرِيبٌ ضَعِيفٌ) أَيْ فَلَا يُسَنُّ، بَلْ قَدْ يَقْضِي كَلَامُهُ كَرَاهَةَ ذَلِكَ فَيُطْلَبُ مِنْهُ الصُّعُودُ مُسْتَرْسِلًا فِي مَشْيِهِ عَلَى الْعَادَةِ. وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ: وَيَصْعَدُ بِتُؤَدَةٍ وَرِفْقٍ كَمَا فِي التَّبْصِرَةِ، وَمِثْلُهُ فِي سم عَلَى مَنْهَجٍ نَقْلًا عَنْ الْعُبَابِ، وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: بِقَوْلِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ) أَيْ وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ مَا يَقَعُ مِنْ بَعْضِ جَهَلَةِ الْخُطَبَاءِ مِنْ تَكْرِيرِهَا ثَلَاثًا لَا أَصْلَ لَهُ (قَوْلُهُ: وَكِتَابَةُ مَا لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ) قَالَ حَجّ بَعْدَ مَا ذَكَرَ: أَيْ وَقَدْ جَزَمَ أَئِمَّتُنَا وَغَيْرُهُمْ بِحُرْمَةِ كِتَابَةِ وَقِرَاءَةِ الْكَلِمَاتِ الْأَعْجَمِيَّةِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهَا (قَوْلُهُ: وَقَدْ أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِصِحَّةِ خُطْبَتِهِ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَنْجَرَّ بِجَرِّهِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي.
(قَوْلُهُ: وَفِي الثَّانِيَةِ الْمُنَافِقِينَ) قَالَ حَجّ: فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ: أَيْ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ وَسُنَّتْ لَهُ السُّورَةُ فَقَرَأَ الْمُنَافِقِينَ فِيهَا: أَيْ الْأُولَى احْتَمَلَ أَنْ يُقَالَ: وَيَقْرَأُ الْجُمُعَةَ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا شَمَلَهُ كَلَامُهُمْ، وَأَنْ يُقَالَ: يَقْرَأُ الْمُنَافِقِينَ لِأَنَّ السُّورَةَ لَيْسَتْ مُتَأَصِّلَةً فِي حَقِّهِ انْتَهَى. وَالْأَقْرَبُ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّهُ إذَا قَرَأَ الْمُنَافِقِينَ فِي الثَّانِيَةِ خَلَتْ صَلَاتُهُ مِنْ الْجُمُعَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَرَأَ الْجُمُعَةَ فَإِنَّ صَلَاتَهُ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَكِتَابَةُ مَا لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى الِاشْتِغَالِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute