بِدَلِيلِ خَبَرِ «أَلْقِ عَنْك شَعْرَ الْكُفْرِ» وَعَلَى هَذَا يَكُونُ نَدْبُ الْحَلْقِ هُنَا لِغَيْرِ الذَّكَرِ مُسْتَثْنًى مِنْ كَرَاهَتِهِ لَهُ، وَقِيَاسُ مَا سَيَأْتِي فِي الْحَجِّ نَدْبُ إمْرَارِ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ مَنْ لَا شَعْرَ لَهُ.
(وَأَغْسَالُ الْحَجِّ) الْآتِي بَيَانُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الشَّامِلُ ذَلِكَ لِلْعُمْرَةِ أَيْضًا، وَعُلِمَ مِنْ إتْيَانِهِ بِمَنْ عُدِمَ انْحِصَارُ الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ، فَمِنْهَا الْغُسْلُ لِتَغَيُّرِ بَدَنٍ مِنْ نَحْوِ حِجَامَةٍ أَوْ فَصْدٍ أَوْ خُرُوجٍ مِنْ حَمَّامٍ عِنْدَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ وَإِنْ لَمْ يَتَنَوَّرْ، لِأَنَّهُ يُغَيِّرُ الْبَدَنَ وَيُضَعِّفُهُ، وَالْغُسْلُ يَشُدُّهُ وَيُنْعِشُهُ، وَمِنْ نَتْفِ إبْطٍ وَيُقَاسُ بِهِ نَحْوُ قَصِّ الشَّارِبِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الرَّوْنَقِ بِالثَّانِي، وَلِلِاعْتِكَافِ وَلِكُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَقَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِمَنْ يَحْضُرُ الْجَمَاعَةَ، وَالْأَوْجَهُ الْأَخْذُ بِإِطْلَاقِهِمْ، وَلِدُخُولِ حَرَمَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَفِي الْوَادِي عِنْدَ سَيَلَانِهِ وَلِكُلِّ مَجْمَعٍ لِلنَّاسِ.
أُمًّا الْغُسْلُ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَغَيْرُ مُسْتَحَبٍّ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَضِيَّتُهُ عَدَمُ اخْتِصَاصِ الْحَلْقِ بِشَعْرِ الرَّأْسِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُهُ، وَعَلَيْهِ فَلَعَلَّ سَبَبَ تَخْصِيصِ الرَّأْسِ بِالْحَلْقِ ظُهُورُ شَعْرِهِ دُونَ غَيْرِهِ، فَكَانَتْ إزَالَتُهُ عَلَامَةً ظَاهِرَةً عَلَى التَّبَاعُدِ عَنْ أَثَرِ الْكُفْرِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَعَدَّ لِشُعُورِ الْوَجْهِ لِمَا فِي إزَالَتِهَا مِنْ الْمُثْلَةِ وَلَا كَذَلِكَ الرَّأْسُ لِسِتْرِهَا.
(قَوْلُهُ: الشَّامِلُ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورُ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الشُّمُولِ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَغْسَالِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَغْسَالِ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ: الْغُسْلُ لِتَغَيُّرِ بَدَنٍ) قَضِيَّتُهُ عَدَمُ اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ مِنْ الْحِجَامَةِ وَالْفَصْدِ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بَدَنُهُ. وَقَضِيَّةُ حَجّ خِلَافُهُ، فَإِنَّهُ جَعَلَ نَدْبَ الْغُسْلِ لِمُجَرَّدِ الْحِجَامَةِ وَالْفَصْدِ وَلَمْ يُقَيَّدْ بِالتَّغَيُّرِ وَالْأَقْرَبُ قَضِيَّةُ حَجّ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالتَّغَيُّرِ حُدُوثُ صِفَةٍ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً قَبْلُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَمِنْ نَتْفِ إبْطٍ وَيُقَاسُ بِهِ إلَخْ، أَوْ أَنَّ نَحْوَ الْحِجَامَةِ مَظِنَّةٌ لِلتَّغَيُّرِ (قَوْلُهُ: مِنْ نَحْوِ حِجَامَةٍ) بَيَانٌ لِلْأَسْبَابِ الْمُغَيِّرَةِ لِلْبَدَنِ (قَوْلُهُ: أَوْ خُرُوجٍ مِنْ حَمَّامٍ) وَهَلْ يَغْتَسِلُ بِمَاءٍ بَارِدٍ أَوْ حَارٍّ فَإِنَّ الْحَارَّ يُرْخِي الْبَدَنَ وَالْبَارِدُ يَشُدُّهُ، ثُمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى شَيْخِنَا حَجّ التَّقْيِيدَ بِالْبَارِدِ اهـ عَلَى مَنْهَجٍ. وَقَوْلُهُ عِنْدَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ يُفِيدُ أَنَّهُ يَغْتَسِلُ دَاخِلَ الْحَمَّامِ لِإِزَالَةِ التَّغَيُّرِ الْحَاصِلِ مِنْ الْعَرَقِ وَنَحْوِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ اغْتَسَلَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ مَثَلًا ثُمَّ اتَّصَلَ بِغُسْلِهِ الْخُرُوجُ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ غُسْلٌ آخَرُ (قَوْلُهُ: وَمِنْ نَتْفِ إبْطٍ) أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا (قَوْلُهُ: وَلِكُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ) أَيْ يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِالْغُرُوبِ وَيَخْرُجُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ الْأَخْذُ بِإِطْلَاقِهِمْ) أَيْ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِمُرِيدِ الْجَمَاعَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغُسْلَ لِلْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ إذْ جَمَاعَةُ اللَّيْلِ إلَخْ، فَإِنَّ جَمَاعَةَ النَّهَارِ يُطْلَبُ الْغُسْلُ لَهَا وَيَشْمَلُ ذَلِكَ قَوْلَهُ وَلِكُلِّ مَجْمَعٍ إلَخْ، لَكِنْ قَدْ يُشْكِلُ كُلُّ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ أَمَّا الْغُسْلُ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَغَيْرُ مُسْتَحَبٍّ إلَخْ، فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِمَا لَوْ فُعِلَتْ جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى فَلْيُتَأَمَّلْ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ أَنَّ الْغُسْلَ لِلصَّلَاةِ لَا يُسَنُّ لَهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا صَلَاةً فَلَا يُنَافِي سُنِّيَّتَهُ لَهَا مِنْ حَيْثُ الْجَمَاعَةُ (قَوْلُهُ: وَلِدُخُولِ حَرَمِ مَكَّةَ) قَالَ حَجّ: وَلِأَذَانٍ وَلِدُخُولِ مَسْجِدٍ: أَيْ قَبْلَهُمَا (قَوْلُهُ: وَلِكُلِّ مَجْمَعٍ لِلنَّاسِ) قَالَ حَجّ: مِنْ مَجَامِعِ الْخَيْرِ، وَنُقِلَ عَنْهُ سم أَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: أَيْ عَلَى مُبَاحٍ فِيمَا يَظْهَرُ، لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ عَلَى مَعْصِيَةٍ لَا حُرْمَةَ لَهُ إلَخْ انْتَهَى. وَمِنْ الْمُبَاحِ الِاجْتِمَاعُ فِي الْقَهْوَةِ الَّتِي لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَى أَمْرٍ مُحَرَّمٍ، وَلَوْ كَانَ الدَّاخِلُ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ بِهِ دُخُولُهَا كَعَظِيمٍ مَثَلًا، ثُمَّ يَنْبَغِي أَنَّ هَذِهِ الْأَغْسَالَ الْمُسْتَحَبَّةَ إذَا وُجِدَ لَهَا أَسْبَابٌ كُلٌّ مِنْهَا يَقْتَضِي الْغُسْلَ كَالْإِفَاقَةِ مِنْ الْجُنُونِ مَثَلًا وَحَلْقِ الْعَانَةِ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَوْ خُرُوجٌ مِنْ حَمَّامٍ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ لَفْظِ خُرُوجٍ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ الْأَخْذُ بِإِطْلَاقِهِمْ إذْ جَمَاعَةُ اللَّيْلِ كَجَمَاعَةِ النَّهَارِ) كَذَا فِي نُسْخَةٍ: وَلَمْ يَظْهَرْ لِي مَعْنَى هَذَا التَّعْلِيلِ، بَلْ قَدْ يُفِيدُ بِظَاهِرِهِ نَقِيضَ الْمَطْلُوبِ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ مِنْهُ مَا فِي التُّحْفَةِ وَإِنْ قَصُرَتْ عِبَارَتُهُ عَنْهُ، وَنَصُّ مَا فِي التُّحْفَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنْ حَضَرَ الْجَمَاعَةَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لِحُضُورِ الْجَمَاعَةِ لَا يَخْتَصُّ بِرَمَضَانَ، فَنَصُّهُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى نَدْبِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهَا لِشَرَفِ الزَّمَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِكُلِّ مَجْمَعٍ لِلنَّاسِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ وَعِنْدَ كُلِّ مَجْمَعٍ مِنْ مَجَامِعِ الْخَيْرِ، وَنَقَلَ عَنْهُ الشِّهَابُ سم فِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَنَّ الْمُبَاحَ كَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute