للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَاشِي كَالرَّاكِبِ الِاسْتِقْبَالُ حَتَّى فِي التَّحَرُّمِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَا وَضْعِ جَبْهَتِهِ عَلَى الْأَرْضِ لِمَا فِي تَكْلِيفِهِ ذَلِكَ مِنْ تَعَرُّضِهِ لِلْهَلَاكِ، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْمَاشِي الْمُتَنَفِّلِ فِي السَّفَرِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِقْبَالُ بِتَرْكِ الْقِيَامِ لِرُكُوبِهِ رَكِبَ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ آكَدُ بِدَلِيلِ النَّفْلِ لَا تَرْكُهُ لِجِمَاحِ دَابَّةٍ طَالَ زَمَنُهُ، بِخِلَافِ مَا قَصُرَ زَمَنُهُ، وَصَحَّ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ، أَوْ تَقَدَّمُوا عَلَى الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ لِلضَّرُورَةِ، وَمِثْلُهُ مَا إذَا تَخَلَّفُوا عَنْهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَالْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ مِنْ انْفِرَادِهِمْ كَمَا فِي الْأَمْنِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ فِي فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ (وَكَذَا الْأَعْمَالُ الْكَثِيرَةُ) الْمُتَوَالِيَةُ كَالضَّرَبَاتِ وَالطَّعَنَاتِ يُعْذَرُ فِيهَا (لِحَاجَةٍ) إلَيْهَا (فِي الْأَصَحِّ) وَلَا تَبْطُلُ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَحْتَاجُوا إلَيْهِ.

أَمَّا الْقَلِيلُ أَوْ الْكَثِيرُ غَيْرُ الْمُتَوَالِي فَمُحْتَمَلٌ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ فَفِيهِ أَوْلَى، وَالثَّانِي لَا يُعْذَرُ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي هَذَيْنِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُمَا عَلَى الْأَصْلِ (لَا) فِي (صِيَاحٍ) فَلَا يُعْذَرُ بَلْ تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ بَلْ السُّكُوتُ أَهْيَبُ وَمِثْلُهُ النُّطْقُ بِلَا صِيَاحٍ كَمَا فِي الْأُمِّ (وَيُلْقِي السِّلَاحَ إذَا دَمِيَ) بِمَا لَا يُعْفَى عَنْهُ إنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ تَصْحِيحًا لِصَلَاتِهِ، وَفِي مَعْنَى إلْقَائِهِ جَعْلُهُ فِي قِرَابِهِ تَحْتَ رِكَابِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: رَكِبَ) أَيْ وُجُوبًا وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ آكَدُ: أَيْ مِنْ الْقِيَامِ.

وَقَوْلُهُ بِدَلِيلِ النَّفْلِ: أَيْ حَيْثُ جَازَ مِنْ قُعُودٍ وَلَمْ يَجُزْ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ.

وَقَوْلُهُ لَا تَرْكُهُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ عِنْدَ الْعَجْزِ (قَوْلُهُ: طَالَ زَمَنُهُ) لَمْ يَعْتَرِضْ بِمَا لَوْ انْحَرَفَتْ دَابَّتُهُ خَطَأً أَوْ نِسْيَانًا وَمَفْهُومُهُ الضَّرَرُ كحج، لَكِنْ قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي نَفْلِ السَّفَرِ عَدَمُ الضَّرَرِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا قَصُرَ زَمَنُهُ) أَيْ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ فِي نَفْلِ السَّفَرِ (قَوْلُهُ: كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ لِلضَّرُورَةِ) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ يَقِينًا (قَوْلُهُ: وَالْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ مِنْ انْفِرَادِهِمْ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ الِانْفِرَادُ هُوَ الْحَزْمَ اهـ حَجّ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا الْأَعْمَالُ الْكَثِيرَةُ) لَوْ احْتَاجَ لِخَمْسِ ضَرَبَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ مَثَلًا فَقَصَدَ أَنْ يَأْتِيَ بِسِتٍّ مُتَوَالِيَةٍ فَهَلْ تَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِي السِّتِّ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا وَغَيْرُ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ مُبْطِلٌ، فَهَلْ الشُّرُوعُ فِيهَا شُرُوعٌ فِي الْمُبْطِلِ، أَوْ لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْخَمْسَ جَائِزَةٌ فَلَا يَضُرُّ قَصْدُهَا مَعَ غَيْرِهَا، فَإِذَا فَعَلَ الْخَمْسَ لَمْ تَبْطُلْ بِهَا لِجَوَازِهَا وَلَا بِالْإِتْيَانِ بِالسَّادِسَةِ؛ لِأَنَّهَا وَحْدَهَا لَا تُبْطِلُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْمُتَّجَهُ لِي الْآنَ الْأَوَّلُ، وَقَدْ يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ تَوْجِيهُ الثَّانِي بِمَا ذُكِرَ لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ فِي الْأَمْنِ بِثَلَاثَةِ أَفْعَالٍ مُتَوَالِيَةٍ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَيْنِ الْمُتَوَالِيَيْنِ غَيْرُ مُبْطِلَيْنِ فَلَا يَضُرُّ قَصْدُهُمَا مَعَ غَيْرِهِمَا فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى حَجّ.

وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ الْمُتَّجَهُ الثَّانِي، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَاسَ عَلَيْهِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْخُطُوَاتِ فِيهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَكَانَ الْمَجْمُوعُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَالْخَمْسُ فِي الْمَقِيسِ مَطْلُوبَةٌ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ النَّهْيُ إلَّا بِالسَّادِسِ فَمَا قَبْلَهُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْإِبْطَالِ أَصْلًا إذْ الْمُبْطِلُ هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ.

وَنُقِلَ بِالدَّرْسِ عَنْ شَيْخِنَا الشَّوْبَرِيِّ مَا يُوَافِقُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَا تَبْطُلُ) بَيَّنَ بِهِ مَعْنَى الْعُذْرِ الَّذِي أَفَادَهُ التَّشْبِيهُ وَقَوْلُهُ بِهِ: أَيْ الْعَمَلِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْأَعْمَالِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي هَذَيْنِ) أَيْ فِي الْمَشْيِ أَوْ الرُّكُوبِ وَتَرْكِ الِاسْتِقْبَالِ (قَوْلُهُ: لَا فِي صِيَاحٍ) قَالَ النَّاشِرِيُّ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ بِزَجْرِ الْخَيْلِ، لَكِنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْكَمِيَّ السَّاكِتَ أَهْيَبُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ زَجْرِ الْخَيْلِ انْتَهَى.

فَانْظُرْ هَلْ كَزَجْرِ الْخَيْلِ الِاسْتِغَاثَةُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.

وَعِبَارَةُ حَجّ فِي شَرْحِهِ: وَفَرْضُ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ: أَيْ الصِّيَاحِ لِنَحْوِ تَنْبِيهِ مَنْ خَشِيَ وُقُوعَ نَحْوِ مُهْلِكٍ بِهِ أَوْ لِزَجْرِ الْخَيْلِ أَوْ لِيُعْرَفَ أَنَّهُ فُلَانٌ الْمَشْهُورُ لِشَجَاعَةٍ نَادِرَةٍ اهـ.

أَيْ فَلَا يُعْذَرُ بِهِ وَبِهِ يُرَدُّ مَا فِي النَّاشِرِيِّ (قَوْلُهُ: وَيُلْقِي السِّلَاحَ إذَا دَمَى) أَيْ وَقَدَرَ عَلَى إلْقَائِهِ بِأَنْ لَمْ يَخْشَ مِنْ إلْقَائِهِ مَحْذُورًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ فَإِنْ عَجَزَ إلَخْ (قَوْلُهُ: جَعَلَهُ فِي قِرَابُهُ) إنْ قَلَّ زَمَنُ هَذَا الْجُعْلِ بِأَنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: لَا تَرْكُهُ) أَيْ الِاسْتِقْبَالَ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى تَرْكِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>