للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظُهُورِ أَنَّهَا مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ بِمَنْعِ كَوْنِ أَحَدِهَا لَيْسَ بِمَنْزِلَتِهَا فِي الْحَاجَةِ الَّتِي عُهِدَ إنَاطَةُ الْحُكْمِ بِهَا مِنْ نَظَرٍ لِأَفْرَادِهَا فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، بَلْ كَثِيرًا مَا تَكُونُ الْحَاجَةُ فِي أَحَدِهَا لِبَعْضِ النَّاسِ أَقْوَى مِنْهَا فِي الثَّلَاثَةِ لِبَعْضٍ آخَرَ، فَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ كَمَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ.

وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ لِلْحَاجَةِ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ مُغْنِيًا عَنْهُ لَمْ يَجُزْ لُبْسُهُ كَالتَّدَاوِي بِالنَّجَاسَةِ، وَاعْتَمَدَهُ جَمْعٌ وَنَازَعَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ فِيهِ بِأَنَّ جِنْسَ الْحَرِيرِ مِمَّا أُبِيحَ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَكَانَ أَخَفَّ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ الضَّرُورَةَ الْمُبِيحَةَ لِلْحَرِيرِ لَا يَأْتِي مِثْلُهَا فِي النَّجَاسَةِ حَتَّى تُبَاحَ لِأَجْلِهَا، فَعَدَمُ إبَاحَتِهَا لِغَيْرِ التَّدَاوِي إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ تَأَتِّيهِ فِيهَا لَا لِكَوْنِهَا أَغْلَظَ، عَلَى أَنَّ لُبْسَ نَجِسِ الْعَيْنِ يَجُوزُ لِمَا جَازَ لَهُ الْحَرِيرُ فَهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِيهَا، وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَ) لِلْحَاجَةِ (لِلْقِتَالِ كَدِيبَاجٍ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّدْبِيجِ وَهُوَ النَّقْشُ وَالتَّزْيِينُ أَصْلُهُ دِيبَاهٌ بِالْهَاءِ وَجَمْعُهُ دَيَابِيجُ وَدَيَابِجُ (لَا يَقُومُ غَيْرُهُ) فِي دَفْعِ السِّلَاحِ (مَقَامَهُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ثُلَاثِيٍّ تَقُولُ: قَامَ هَذَا مَقَامَ ذَاكَ بِالْفَتْحِ وَأَقَمْته مُقَامَهُ بِالضَّمِّ صِيَانَةً لِنَفْسِهِ وَذَلِكَ فِي حُكْمِ الضَّرُورَةِ.

أَمَّا إذَا وَجَدَ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَأَعَادَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْجَوَازَ فِيمَا مَرَّ مَخْصُوصٌ بِحَالَةِ الْفَجْأَةِ فَقَطْ دُونَ الِاسْتِمْرَارِ.

(وَيَحْرُمُ) عَلَى الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى (الْمُرَكَّبُ مِنْ إبْرَيْسَمَ) أَيْ حَرِيرٍ بِأَيِّ أَنْوَاعِهِ كَانَ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَبِفَتْحِهِمَا وَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ (وَغَيْرِهِ) كَغَزْلٍ وَقُطْنٍ (إنْ زَادَ وَزْنُ الْإِبْرَيْسَمِ) عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ خُصُوصًا إذَا اجْتَمَعَ حَلَالٌ وَحَرَامٌ وَالْحَرَامُ أَغْلَبُ (وَيَحِلُّ عَكْسُهُ) وَهُوَ مُرَكَّبٌ نَقَصَ فِيهِ الْإِبْرَيْسَمُ عَنْ غَيْرِهِ كَالْخَزِّ سَدَاه حَرِيرٌ وَلُحْمَتُهُ صُوفٌ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْأَكْثَرِ فِيهِمَا (وَكَذَا) يَحِلُّ (إنْ اسْتَوَيَا) وَزْنًا فِيمَا رُكِّبَ مِنْهُمَا (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى ثَوْبُ حَرِيرٍ وَالْأَصْلُ الْحِلُّ.

وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إنَّمَا «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنْ الْحَرِيرِ» أَيْ الْخَالِصِ، فَأَمَّا الْعَلَمُ: أَيْ الطِّرَازُ وَنَحْوُهُ وَسَدَى الثَّوْبِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِنَا وَزْنًا أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِظُهُورِ الْحَرِيرِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ لُبْسُهُ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ لُبْسَ نَجِسِ الْعَيْنِ إلَخْ) أَيْ أَمَّا الْمُتَنَجِّسُ فَلَا يَتَوَقَّفُ حِلُّهُ عَلَى ضَرُورَةٍ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: عَلَى مَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ مُغْنِيًا عَنْهُ لَمْ يَجُزْ لُبْسُهُ.

[فَرْعٌ] إذَا اتَّزَرَ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَرْتَدِي بِهِ وَيَتَعَمَّمُ مِنْ غَيْرِ الْحَرِيرِ.

قَالَ أَبُو شُكَيْلٍ: الْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَخَّصَ لَهُ فِي الِارْتِدَاءِ أَوْ التَّعَمُّمِ بِهِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَكَانَ تَرْكُهُ يُزْرِي بِمَنْصِبِهِ، فَإِنْ خَرَجَ مُتَّزِرًا مُقْتَصِرًا عَلَى ذَلِكَ نُظِرَ، فَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الِاقْتِدَاءَ بِالسَّلَفِ وَتَرْكَ الِالْتِفَاتِ إلَى مَا يُزْرِي بِالْمَنْصِبِ لَمْ تَسْقُطْ بِذَلِكَ مُرُوءَتُهُ بَلْ يَكُونُ فَاعِلًا لِلْأَفْضَلِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ بَلْ فَعَلَ ذَلِكَ انْخِلَاعًا وَتَهَاوُنًا بِالْمُرُوءَةِ سَقَطَتْ مُرُوءَتُهُ.

كَذَا فِي النَّاشِرِيِّ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.

وَمِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ أَنَّ لُبْسَ الْفَقِيهِ الْقَادِرِ عَلَى التَّجَمُّلِ بِالثِّيَابِ الَّتِي جَرَتْ بِهَا عَادَةُ أَمْثَالِهِ ثِيَابًا دُونَهَا فِي الصِّفَةِ وَالْهَيْئَةِ إنْ كَانَ لِهَضْمِ النَّفْسِ وَالِاقْتِدَاءِ بِالسَّلَفِ الصَّالِحِينَ لَمْ يُخِلَّ بِمُرُوءَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ أَخَلَّ بِهَا.

وَمِنْهُ مَا لَوْ تَرَكَ ذَلِكَ مُعَلِّلًا بِأَنَّ مَعْرُوفٍ وَأَنَّهُ لَا يَزِيدُ مَقَامُهُ عِنْدَ النَّاسِ بِاللُّبْسِ وَلَا يَنْقُصُ بِعَدَمِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا مُخِلًّا لِمُنَافَاتِهِ مَنْصِبَ الْفُقَهَاءِ، فَكَأَنَّهُ اسْتَهْزَأَ بِنَفْسِ الْفِقْهِ (قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا) وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ

(قَوْلُهُ: الْمُصْمَتُ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الصَّادِ وَفَتْحِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ وَبِالْمُثَنَّاةِ مِنْ قَوْلِك أَصْمَتّه أَنَا قَامُوسٌ بِالْمَعْنَى

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: مَأْخُوذٌ مِنْ التَّدْبِيجِ) لَا يُنَاسِبُ كَوْنَهُ مُعَرَّبًا، إذْ الْمُعَرَّبُ لَفْظٌ اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ فِي مَعْنًى وُضِعَ لَهُ فِي غَيْرِ لُغَتِهِمْ، وَهَذَا الْأَخْذُ يَقْتَضِي أَنَّهُ عَرَبِيٌّ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَأَعَادَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُمَا مَسْأَلَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ، فَالْأُولَى فِي ثَوْبٍ لَا نَفْعَ فِيهِ لِلْقِتَالِ إلَّا أَنَّهُ لَبِسَهُ لِلسِّتْرِ بِهِ عِنْدَ فَجْأَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>