لَمْ نَعْمَلْ بِقَوْلِهِمْ، فَتُصَلَّى فِي الْأَوَّلِ إذْ الْأَصْلُ بَقَاءُ الْكُسُوفِ دُونَ الثَّانِي إذْ الْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَقَوْلُ الْمُنَجِّمِينَ تَخْمِينٌ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ، وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ جَوَازُ الْعَمَلِ بِقَوْلِهِمْ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ وَالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ خَارِجَةٌ عَنْ الْقِيَاسِ فَاحْتِيطَ لَهَا، وَبِأَنَّ دَلَالَةَ عِلْمِهِ عَلَى ذَيْنَك أَقْوَى مِنْهَا هُنَا وَذَلِكَ لِفَوَاتِ سَبَبِهَا (وَ) تَفُوتُ أَيْضًا (بِغُرُوبِهَا كَاسِفَةً) ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا يَبْطُلُ بِغُرُوبِهَا نَيِّرَةً كَانَتْ، أَوْ مُنْكَسِفَةً لِزَوَالِ سُلْطَانِهَا.
(وَ) تَفُوتُ أَيْضًا صَلَاةُ خُسُوفِ (الْقَمَرِ) قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا (بِالِانْجِلَاءِ) التَّامِّ أَيْضًا كَمَا مَرَّ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (وَطُلُوعِ الشَّمْسِ) وَهُوَ مُنْخَسِفٌ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِضَوْئِهِ (لَا) بِطُلُوعِ (الْفَجْرِ) فَلَا تَفُوتُ صَلَاةُ خُسُوفِهِ (فِي الْجَدِيدِ) لِبَقَاءِ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ وَعَلَى هَذَا لَا يَضُرُّ طُلُوعُ الشَّمْسِ فِي صَلَاتِهِ كَالِانْجِلَاءِ وَالْقَدِيمُ تَفُوتُ لِذَهَابِ اللَّيْلِ وَهُوَ سُلْطَانُهُ (وَلَا) تَفُوتُ صَلَاتُهُ أَيْضًا (بِغُرُوبِهِ خَاسِفًا) لِبَقَاءِ مَحَلِّ سَلْطَنَتِهِ وَهُوَ اللَّيْلُ فَغُرُوبُهُ كَغَيْبُوبَتِهِ تَحْتَ السَّحَابِ فَعُلِمَ أَنَّا لَا نَنْظُرُ إلَى تِلْكَ اللَّيْلَةِ بِخُصُوصِهَا وَاسْتِحَالَةِ طُلُوعِهِ بَعْدَ غُرُوبِهِ فِيهَا وَإِنَّمَا نَنْظُرُ لِوُجُودِ اللَّيْلِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّهُ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا نَنْظُرُ إلَى سُلْطَانِ الشَّمْسِ وَهُوَ النَّهَارُ وَلَا نَنْظُرُ فِيهِ إلَى غَيْمٍ، أَوْ نَحْوِهِ.
(وَلَوْ اجْتَمَعَ) عَلَيْهِ صَلَاتَانِ فَأَكْثَرَ وَلَمْ يَأْمَنْ الْفَوَاتَ قَدَّمَ الْأَخْوَفَ فَوْتًا، ثُمَّ الْآكَدَ، فَعَلَى هَذَا لَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ (كُسُوفٌ وَجُمُعَةٌ، أَوْ فَرْضٌ آخَرُ) وَلَوْ نَذْرًا (قَدَّمَ الْفَرْضَ) جُمُعَةً أَوْ غَيْرَهَا (إنْ خِيفَ فَوْتُهُ) لِتَعَيُّنِهِ بِضِيقِ وَقْتِهِ مَعَ تَحَتُّمِ فِعْلِهِ فَكَانَ أَهَمَّ، وَعَلَى هَذَا يَخْطُبُ لِلْجُمُعَةِ، ثُمَّ يُصَلِّيهَا، ثُمَّ يُصَلِّي الْكُسُوفَ، ثُمَّ يَخْطُبُ لَهَا، وَفِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ يَفْعَلُ بِالْكُسُوفِ مَا مَرَّ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَرْضِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْفَرْضِ (فَالْأَظْهَرُ تَقْدِيمُ) صَلَاةِ (الْكُسُوفِ) لِخَوْفِ الْفَوَاتِ بِالِانْجِلَاءِ وَيُخَفِّفُهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فَيَقْرَأُ فِي كُلِّ قِيَامٍ بِالْفَاتِحَةِ وَنَحْوِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ كَمَا فِي الْأُمِّ (ثُمَّ يَخْطُبُ لِلْجُمُعَةِ) فِي صُورَتِهَا (مُتَعَرِّضًا لِلْكُسُوفِ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَهُمَا بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ تَشْرِيكٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ، وَمَا نَظَرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ مَا يَحْصُلُ ضِمْنًا لَا يَضُرُّ ذِكْرُهُ رُدَّ بِأَنَّ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ لَا تَتَضَمَّنُ خُطْبَةَ الْخُسُوفِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْكُسُوفِ لَمْ تَكْفِ الْخُطْبَةُ عَنْهُ وَيَحْتَرِزُ عَنْ التَّطْوِيلِ الْمُوجِبِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
ظَاهِرُهُ وَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُمْ وَيُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ جَوَازُ الْعَمَلِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَذَلِكَ لِفَوَاتِ سَبَبِهَا) الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ أَقْوَى مِنْهَا إلَخْ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ: لَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهَا لَا تَفُوتُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي لَيَالٍ يَقْطَعُ بِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَاسِفًا لَا يُوجَدُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي عَاشِرِ الشَّهْرِ مَثَلًا، وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي قَوْلِهِ فَعُلِمَ أَنَّا لَا نَنْظُرُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: إنْ خِيفَ فَوْتُهُ) وَهُوَ فِي الْجُمُعَةِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا وَفِي غَيْرِهَا بِعَدَمِ إدْرَاكِ رَكْعَةٍ فِي الْوَقْتِ، وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ عِيدٌ وَفَرِيضَةُ نَذْرٍ فَعَلَهَا فِي وَقْتِ الْعِيدِ قَدَّمَ الْمَنْذُورَةَ إنْ خِيفَ فَوْتُهَا اهـ (قَوْلُهُ وَيُخَفِّفُهَا) أَيْ نَدْبًا (قَوْلُهُ: مُتَعَرِّضًا لِلْكُسُوفِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْخُطْبَةِ أَوْ فِي آخِرِهَا أَوْ خِلَالَهَا (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ تَشْرِيكٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ) قَدْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا نَوَى رَفْعَ الْجَنَابَةِ وَغُسْلَ الْجُمُعَةِ حَصَلَا مَعَ التَّشْرِيكِ الْمَذْكُورِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْغُسْلَ لَمَّا كَانَ وَسِيلَةً لِغَيْرِهِ لَا مَقْصُودًا لِذَاتِهِ اُغْتُفِرَ التَّشْرِيكُ فِيهِ، أَوْ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ تَعْمِيمُ الْبَدَنِ بِالْمَاءِ مَعَ كَوْنِ أَظْهَرْ مَقَاصِدِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ التَّنْظِيفَ وَهُوَ حَاصِلٌ مَعَ ضَمِّ غَيْرِهِ إلَيْهِ فَاغْتُفِرَ ذَلِكَ فِيهِ، عَلَى أَنَّهُ لَمَّا طَلَبَ فِي الْكُسُوفِ مَا لَمْ يَطْلُبْ فِي الْجُمُعَةِ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا يَخْطُبُ لِلْجُمُعَةِ مُتَعَرِّضًا لِلْكُسُوفِ صَارَا كَأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي الْحَقِيقَةِ (قَوْلُهُ: وَيَحْتَرِزُ عَنْ التَّطْوِيلِ) أَيْ وُجُوبًا أَيْ فِيمَا يَتَعَرَّضُ بِهِ لِلْكُسُوفِ
[حاشية الرشيدي]
أَوْ الْمُرَادُ أَنَّ عَدَمَ انْعِقَادِهَا قَوْلٌ مِنْ جُمْلَةِ الْأَقْوَالِ فَيَكُونُ هُنَاكَ مَنْ يَقُولُ بِانْعِقَادِهَا؟ يُرَاجَعُ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ لِفَوَاتِ سَبَبِهَا) تَعْلِيلٌ لِأَصْلِ الْمَتْنِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ غَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: وَيُخَفِّفُهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ اتَّسَعَ وَقْتُ الْفَرْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute