للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا لَوْ احْتَاجَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى الْمَاءِ فَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يُصَلُّوا وَيَسْتَسْقُوا لَهُمْ وَيَسْأَلُوا الزِّيَادَةَ لِأَنْفُسِهِمْ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ؛ وَلِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ إذَا اشْتَكَى بَعْضُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ وَصَحَّ «دَعْوَةُ الْمَرْءِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَك بِمِثْلٍ» وَهُوَ مُقَيَّدٌ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ الْغَيْرُ ذَا بِدْعَةٍ وَضَلَالَةٍ وَبَغْيٍ وَإِلَّا لَمْ يُنْدَبْ زَجْرًا لَهُ وَتَأْدِيبًا؛ وَلِأَنَّ الْعَامَّةَ تَظُنُّ بِالِاسْتِسْقَاءِ لَهُمْ حُسْنَ طَرِيقَتِهِمْ وَالرِّضَا بِهَا وَفِيهَا مَفَاسِدُ.

وَيُسَنُّ أَيْضًا الِاسْتِسْقَاءُ لِطَلَبِ زِيَادَةٍ فِيهَا نَفْعٌ لَهُمْ (وَتُعَادُ) الصَّلَاةُ مَعَ الْخُطْبَتَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ (ثَانِيًا وَثَالِثًا) وَأَكْثَرَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ وَالْمَرَّةُ الْأُولَى آكَدُ فِي الِاسْتِحْبَابِ، ثُمَّ إذَا عَادُوا مِنْ الْغَدِ، أَوْ بَعْدَهُ يُنْدَبُ أَنْ يَكُونُوا صَائِمِينَ فِيهِ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً عَلَى تَوَقُّفِ كُلِّ خُرُوجٍ عَلَى صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامَ قَبْلَهُ وَمَرَّةً أُخْرَى عَلَى عَدَمِ ذَلِكَ، وَلَا خِلَافَ؛ لِأَنَّهُمَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ مُنَزَّلَانِ عَلَى حَالَيْنِ: الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا اقْتَضَى الْحَالُ التَّأْخِيرَ كَانْقِطَاعِ مَصَالِحِهِمْ فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ.

وَالثَّانِي عَلَى خِلَافِهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ (إنْ لَمْ يَسْقُوا) حَتَّى يَسْقِيَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ تَأَهَّبُوا لِلصَّلَاةِ فَسُقُوا قَبْلَهَا، اجْتَمَعُوا لِلشُّكْرِ) لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى تَعْجِيلِ مَا عَزَمُوا عَلَى طَلَبِهِ، قَالَ تَعَالَى {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: ٧] (وَالدُّعَاءُ) بِالزِّيَادَةِ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرُوا بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ (وَيُصَلُّونَ) صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ الْمُقَرَّرَةِ شُكْرًا لِلَّهِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْإِلْحَاقِ بَلْ هُوَ مِنْ قِسْمِ الزَّلَازِلِ وَالصَّوَاعِقِ الْآتِي فَتُسَنُّ لَهُ الصَّلَاةُ فُرَادَى عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي (قَوْلُهُ: فَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِمْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُصَلُّوهُمْ (قَوْلُهُ: بِظَهْرِ الْغَيْبِ) لَفْظُ ظَهْرٍ مُقْحَمَةٌ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى فِي، قِيلَ وَالْمُرَادُ بِظَهْرِ الْغَيْبِ: أَنْ يَدْعُوَ لَا عَنْ وَجْهٍ يَرْجُو مَعَهُ بُلُوغَ الدُّعَاءِ لِلْمَدْعُوِّ لَهُ (قَوْلُهُ: مَلَكٌ مُوَكَّلٌ) أَيْ بِهِ (قَوْلُهُ وَلَك بِمِثْلٍ) أَيْ بِمِثْلِهِ ثُمَّ رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِمِثْلِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُقَيَّدٌ) أَيْ قَوْلُهُ وَشَمِلَ إطْلَاقَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: ذَا بِدْعَةٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكْفُرْ بِهَا بَلْ وَإِنْ لَمْ يَفْسُقْ بِهَا وَبَقِيَ مَا لَوْ احْتَاجَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَسَأَلُوا الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ، فَهَلْ يَنْبَغِي إجَابَتُهُمْ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَفَاءً بِذِمَّتِهِمْ، وَلَا يُتَوَهَّمُ مَعَ ذَلِكَ إنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ لِحُسْنِ حَالِهِمْ؛ لِأَنَّ كُفْرَهُمْ مُحَقَّقٌ مَعْلُومٌ، وَتُحْمَلُ إجَابَتُنَا لَهُمْ عَلَى الرَّحْمَةِ بِهِمْ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِمْ مِنْ ذَوِي الرُّوحِ، بِخِلَافِ الْفَسَقَةِ وَالْمُبْتَدِعَةِ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ) عِبَارَةُ حَجّ لِخَبَرِ «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ» وَإِنْ ضَعُفَ.

[فَرْعٌ] أَخْبَرَ مَعْصُومٌ بِالْقَطْعِ بِاسْتِجَابَةِ دُعَاءِ شَخْصٍ فِي الْحَالِ وَاضْطَرَّ النَّاسُ لِلسُّقْيَا فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدُّعَاءُ أَمْ لَا؟ اهـ سم عَلَى حَجّ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَا كَانَ خَارِقًا لِلْعَادَةِ لَا تُرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ، سِيَّمَا وَمَنْ وَصَلَ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ حَالُهُمْ التَّسْلِيمُ إلَى اللَّهِ فِي أَفْعَالِهِ وَعَدَمِ التَّعَرُّضِ لَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَفْعَلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ: أَقُولُ: قَدْ يُتَّجَهُ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ جَوَّزَ إجَابَةَ غَيْرِهِ مَعَ عَدَمِ حُصُولِ ضَرَرٍ لَمْ يَجِبْ وَإِنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَلَا يَبْعُدُ الْوُجُوبُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ وَمِنْ الْغَيْرِ اشْتِدَادُ الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ اجْتَمَعُوا لِلشُّكْرِ) لَك أَنْ تَقُولَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِسْقَاءِ حَيْثُ طَلَبَ فِيهِ هَذِهِ الْأُمُورَ بَعْدَ السُّقْيَا قَبْلَ الصَّلَاةِ شُكْرًا وَبَيْنَ الْكُسُوفِ حَيْثُ لَا يَطْلُبُ فِيهِ هَذِهِ الْأُمُورَ بَعْدَ زَوَالِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَعَ جَرَيَانِ التَّوْجِيهِ الْأَوَّلِ فِيهِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ التَّوْجِيهَ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ الشُّكْرُ وَطَلَبُ الْمَزِيدِ، أَوْ بِأَنَّ الْحَاجَةَ لِلسُّقْيَا أَشَدُّ فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت الْفَرْقَ بِنَحْوِ الثَّانِي

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: اجْتَمَعُوا لِلشُّكْرِ) لَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُسُوفِ حَيْثُ لَا يُصَلَّى لَهُ بَعْدَ الِانْجِلَاءِ أَنَّ مَا هُنَا حُصُولُ نِعْمَةٍ وَمَا هُنَاكَ انْدِفَاعُ نِقْمَةٍ، وَأَيْضًا فَإِنَّ مَا هُنَا بَقِيَ أَثَرُهُ إلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ مَا هُنَاكَ، وَلَعَلَّ هَذَا أَوْجَهُ مِمَّا فَرَّقَ بِهِ الشِّهَابُ سم مِمَّا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>