كَانَ إذَا سَالَ السَّيْلُ قَالَ: اُخْرُجُوا بِنَا إلَى هَذَا الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ طَهُورًا فَنَتَطَهَّرُ مِنْهُ وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ» وَهُوَ صَادِقٌ بِالْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ هُنَا كَالرَّوْضَةِ بِأَوْ يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ أَحَدِهِمَا بِالْمَنْطُوقِ وَكِلَيْهِمَا بِمَفْهُومِ الْأَوْلَى فَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، فَقَالَ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَيَغْتَسِلَ، فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا فَلْيَتَوَضَّأْ.
وَالْمُتَّجَهُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْغُسْلِ، ثُمَّ عَلَى الْوُضُوءِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا نِيَّةٌ كَمَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَخِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ، إلَّا إنْ صَادَفَ وَقْتَ وُضُوءٍ، أَوْ غُسْلٍ؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ هِيَ الْحِكْمَةُ فِي كَشْفِ الْبَدَنِ لِيَنَالَهُ أَوَّلُ مَطَرِ السَّنَةِ وَبَرَكَتُهُ (وَ) أَنْ (يُسَبِّحَ عِنْدَ الرَّعْدِ وَ) عِنْدَ (الْبَرْقِ) لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ " أَنَّهُ كَانَ إذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الْحَدِيثَ وَقَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ "، وَقِيسَ بِالرَّعْدِ الْبَرْقُ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَهُ: سُبْحَانَ مَنْ يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا، وَفِي الْأُمِّ عَنْ الثِّقَةِ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ الرَّعْدَ مَلَكٌ وَالْبَرْقَ أَجْنِحَتُهُ يَسُوقُ بِهَا السَّحَابَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَيَكُونُ الْمَسْمُوعُ صَوْتَهُ: أَيْ صَوْتَ تَسْبِيحِهِ، أَوْ صَوْتَ سَوْقِهِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهِ وَأُطْلِقَ الرَّعْدُ عَلَيْهِ مَجَازًا، وَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ بَعَثَ اللَّهُ السَّحَابَ فَنَطَقَتْ أَحْسَنَ النُّطْقِ وَضَحِكَتْ أَحْسَنَ الضَّحِكِ، فَالرَّعْدُ نُطْقُهَا وَالْبَرْقُ ضَحِكُهَا» (وَ) أَنْ (لَا يَتْبَعَ بَصَرُهُ الْبَرْقَ) لِمَا فِي الْأُمِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا رَأَى أَحَدُكُمْ الْبَرْقَ أَوْ الْوَدْقَ فَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ، وَالْوَدْقُ بِالْمُهْمَلَةِ: الْمَطَرُ، وَفِيهِ زِيَادَةُ الْمَطَرِ، وَزَادَ الْمَاوَرْدِيُّ الرَّعْدُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْمَطَرُ، فَقَالَ: وَكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يَكْرَهُونَ الْإِشَارَةَ إلَى الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ وَيَقُولُونَ عِنْدَ ذَلِكَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، فَيَخْتَارُ الِاقْتِدَاءَ بِهِمْ فِي ذَلِكَ.
(وَ) أَنْ (يَقُولَ عِنْدَ) نُزُولِ (الْمَطَرِ) نَدْبًا كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ (اللَّهُمَّ صَيِّبًا) بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَتَحْتِيَّةٍ مُشَدَّدَةٍ: أَيْ عَطَاءً (نَافِعًا) وَفِي
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْحِكْمَةُ (قَوْلُهُ: الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا) وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْوُضُوءِ عَلَى الْغُسْلِ لِشَرَفِ أَعْضَائِهِ كَمَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا نِيَّةٌ) لَعَلَّ الْمُرَادَ لِحُصُولِ السُّنَّةِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِكَوْنِهِ مُمْتَثِلًا آتِيًا بِمَا أُمِرَ بِهِ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا بِنِيَّتِهِ كَأَنْ يَقُولَ: نَوَيْت سُنَّةَ الْغُسْلِ مِنْ هَذَا السَّيْلِ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت حَجّ قَالَ: وَلَوْ قِيلَ يَنْوِي سُنَّةَ الْغُسْلِ فِي السَّيْلِ لَمْ يَبْعُدْ اهـ. وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ التَّرْتِيبُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ وُصُولُ الْمَاءِ لِهَذِهِ الْأَعْضَاءِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِدُونِ التَّرْتِيبِ وَبِبَعْضِ الْهَوَامِشِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يُسَنُّ الْغُسْلُ فِي أَيَّامِ زِيَادَةِ النِّيلِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مُدَّةَ أَيَّامِ الزِّيَادَةِ اهـ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ.
(قَوْلُهُ: كَمَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ) وَعِبَارَتُهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَفِي الْمُهِمَّاتِ: الْمُتَّجَهُ الْجَمْعُ ثُمَّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْغُسْلِ ثُمَّ عَلَى الْوُضُوءِ، وَأَنَّهُ لَا نِيَّةَ فِيهِ إذَا لَمْ يُصَادِفْ وَقْتَ وُضُوءٍ وَلَا غُسْلٍ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ، وَفِي نُسْخَةٍ سُقُوطُ قَوْلِهِ: تَبَعًا إلَخْ، عَلَيْهَا فِعْلُ الْمُرَادِ أَنَّ الشَّيْخَ بَحَثَهُ فِي غَيْرِ شَرْحِ مَنْهَجِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ بَحَثَهُ: أَيْ بَحَثَ الِاشْتِرَاطَ فَهُوَ قَيْدٌ لِلْمَنْفِيِّ، وَعَلَيْهِ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا هُنَا وَشَرْحِ الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: لَمَّا رَوَاهُ مَالِكٌ) قَالَ حَجّ: وَلِأَنَّ الذِّكْرَ عِنْدَ الْأُمُورِ الْمَخُوفَةِ تُؤْمَنُ بِهِ غَائِلَتُهَا (قَوْلُهُ: إذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الْحَدِيثَ) أَيْ مَا كَانَ فِيهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قُرْآنًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ قِيَاسًا عَلَى إجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ (قَوْلُهُ: فَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ) أَيْ لَا بِبَصَرِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ، وَعِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ: شَامِلٌ لِلْإِشَارَةِ بِغَيْرِ الْبَصَرِ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ فَيَخْتَارُ الِاقْتِدَاءَ بِهِمْ) أَيْ وَتَحْصُلُ سُنَّةُ ذَلِكَ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: «كَانَ إذَا سَالَ السَّيْلُ قَالَ: اُخْرُجُوا بِنَا إلَى هَذَا الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ طَهُورًا» إلَخْ) يُسْتَنْبَطُ مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّ مَاءَ النِّيلِ كَمَاءِ السَّيْلِ، فَإِلْحَاقُهُ بِهِ أَوْلَى مِمَّا نُقِلَ عَنْ الزِّيَادِيِّ مِنْ إلْحَاقِهِ بِأَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ الْمَارِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَخِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ إلَّا إنْ صَادَفَ) يَعْنِي فِي قَوْلِهِ إلَّا إنْ صَادَفَ إذْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ لِلْإِسْنَوِيِّ، وَلَعَلَّ لَفْظَ فِي قَوْلِهِ الَّذِي قَدَّرْنَاهُ أَسْقَطَهُ الْكَتَبَةُ مِنْ نُسَخِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ) أَيْ فِيمَا رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ زِيَادَةٌ عَلَى مَا أَفَادَهُ الْمَتْنُ الْمَطَرُ فَلَا يُتْبِعُهُ الْبَصَرَ، وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ بَلَدٍ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْمَطَرُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute