للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْبَابِ أَنَّهُ يُسَنُّ لِكُلِّ مَنْ حَضَرَ الِاسْتِسْقَاءَ أَنْ يَسْتَشْفِعَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى سِرًّا بِخَالِصِ عَمَلٍ يَتَذَكَّرُهُ، لِخَبَرِ الَّذِينَ أَوَوْا إلَى الْغَارِ وَبِأَهْلِ الصَّلَاحِ، لَا سِيَّمَا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ أَقَارِبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَيُسَنُّ) لِكُلِّ أَحَدٍ (أَنْ يَبْرُزَ) أَيْ يَظْهَرَ (لِأَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ وَيَكْشِفَ) مِنْ جَسَدِهِ (غَيْرَ عَوْرَتِهِ لِيُصِيبَهُ) شَيْءٌ مِنْهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ «أَنَسٍ قَالَ أَصَابَنَا مَطَرٌ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَحَسَرَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ الْمَطَرُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْت هَذَا قَالَ: لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ» أَيْ بِتَكْوِينِهِ وَتَنْزِيلِهِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ آكَدُ، وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَطَرِ أَوَّلِ السَّنَةِ وَغَيْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ: أَيْ فَهُوَ لِأَوَّلِ كُلِّ مَطَرٍ أَوْلَى مِنْهُ لِآخِرِهِ (وَأَنْ) (يَغْتَسِلَ أَوْ يَتَوَضَّأَ فِي) مَاءٍ (السَّيْلِ) لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَالْكُسُوفِ، وَلَا يُقَالُ الِاتِّبَاعُ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ لِجَوَازِ الْقِيَاسِ فِيمَا لَمْ يَرُدَّ عَلَى مَا وَرَدَ، وَلَا يُقَالُ الِاهْتِمَامُ بِأَمْرِ الْحَثِّ عَلَى التَّوْبَةِ وَالْوَعْظِ اقْتَضَى صِحَّةَ التَّقْدِيمِ؛ لِأَنَّهُ بِتَسْلِيمِهِ لَا يَقْتَضِي مَنْعَ الصِّحَّةِ بَلْ الْأَوْلَوِيَّةَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلْيُحَرَّرْ اهـ مِنْ حَوَاشِي التَّحْرِيرِ.

(قَوْلُهُ: لِخَبَرِ الَّذِينَ أَوَوْا إلَى الْغَارِ) «وَكَانُوا ثَلَاثَةً خَرَجُوا يَرْتَادُونَ لِأَهْلِهِمْ، فَأَخَذَتْهُمْ السَّمَاءُ فَأَوَوْا إلَى كَهْفٍ فَانْحَطَّتْ صَخْرَةٌ وَسَدَّتْ بَابَهُ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: اُذْكُرُوا أَيُّكُمْ عَمِلَ حَسَنَةً لَعَلَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَرْحَمُنَا بِبَرَكَتِهِ، فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: اسْتَعْمَلْت أُجَرَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَجَاءَ رَجُلٌ وَسَطَ النَّهَارِ وَعَمِلَ فِي بَقِيَّتِهِ مِثْلَ عَمَلِهِمْ فَأَعْطَيْته مِثْلَ أُجُورِهِمْ، فَغَضِبَ أَحَدُهُمْ وَتَرَكَ أَجْرَهُ، فَوَضَعْته فِي جَانِبِ الْبَيْتِ، ثُمَّ مَرَّ بِي بَقَرٌ فَاشْتَرَيْت بِهِ فَصِيلَةً فَبَلَغَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَرَجَعَ إلَيَّ بَعْدَ حِينٍ شَيْخًا ضَعِيفًا لَا أَعْرِفُهُ، وَقَالَ: إنَّ لِي عِنْدَك حَقًّا وَذَكَرَهُ حَتَّى عَرَفْته، فَدَفَعْتهَا إلَيْهِ جَمِيعًا، اللَّهُمَّ إنْ كُنْت فَعَلْت ذَلِكَ لِوَجْهِك فَافْرِجْ عَنَّا، فَانْصَدَعَ الْجَبَلُ حَتَّى رَأَوْا الضَّوْءَ. وَقَالَ آخَرُ: كَانَ فِي فَضْلٌ وَأَصَابَ النَّاسَ شِدَّةٌ، فَجَاءَتْنِي امْرَأَةٌ فَطَلَبَتْ مِنِّي مَعْرُوفًا، فَقُلْت: وَاَللَّهِ مَا هُوَ دُونَ نَفْسِك، فَأَبَتْ وَعَادَتْ، ثُمَّ رَجَعَتْ ثَلَاثًا ثُمَّ ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِزَوْجِهَا، فَقَالَ لَهَا: أَجِيبِي لَهُ وَأَعِينِي عِيَالَك، فَأَتَتْ وَسَلَّمَتْ إلَيَّ نَفْسَهَا، فَلَمَّا تَكَشَّفْتُهَا وَهَمَمْت بِهَا ارْتَعَدَتْ، فَقُلْت: مَالَك؟ قَالَتْ: أَخَافُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَقُلْت لَهَا: خِفْتِيهِ فِي الشِّدَّةِ وَلَمْ أَخَفْهُ فِي الرَّخَاءِ، فَتَرَكْتهَا وَأَعْطَيْتهَا مُلْتَمَسَهَا، اللَّهُمَّ إنْ كُنْت فَعَلْته لِوَجْهِك فَافْرِجْ عَنَّا، فَانْصَدَعَ حَتَّى تَعَارَفُوا. وَقَالَ الثَّالِثُ: كَانَ لِي أَبَوَانِ هِمَّانِ وَكَانَتْ لِي غَنَمٌ وَكُنْت أُطْعِمُهَا وَأَسْقِيهِمَا ثُمَّ أَرْجِعُ إلَى غَنَمِي، فَحَبَسَنِي ذَاتَ يَوْمٍ غَيْثٌ فَلَنْ أَبْرَحَ حَتَّى أَمْسَيْت، فَأَتَيْت أَهْلِي وَأَخَذْت مِحْلَبِي فَحَلَبْت فِيهِ وَجِئْت إلَيْهِمَا فَوَجَدْتهمَا نَائِمَيْنِ، فَشَقَّ عَلَيَّ أَنْ أُوقِظَهُمَا، فَتَرَقَّبْت جَالِسًا وَمِحْلَبِي عَلَى يَدِي حَتَّى أَيْقَظَهُمَا الصُّبْحُ فَسَقَيْتهمَا، اللَّهُمَّ إنْ كُنْت فَعَلْته لِوَجْهِك فَافْرِجْ عَنَّا، فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَخَرَجُوا»

وَقَدْ رَفَعَ ذَلِكَ نُعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ اهـ بَيْضَاوِيٌّ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ عِنْدَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ} [الكهف: ٩] الْآيَةَ (قَوْلُهُ: لِأَوَّلِ مَطَرِ السُّنَّةِ) وَهُوَ مَا يَحْصُلُ بَعْدَ انْقِطَاعِ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ فِي الْمُحَرَّمِ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَهُ النِّيلُ فَيَبْرُزُ لَهُ وَيَفْعَلُ مَا ذَكَرَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى اهـ زِيَادِي بِهَامِشٍ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَا يَصِلُ إلَى الْمَاءِ عِنْدَ قَطْعِ الْخُلْجَانِ وَنَحْوِهَا إجْرَاءٌ لِمَا هُوَ مُجْتَمِعٌ فِي النَّهْرِ فَلَيْسَ كَالْمَطَرِ فَإِنَّ نُزُولَهُ الْآنَ قَرِيبُ عَهْدٍ بِالتَّكْوِينِ وَلَا كَذَلِكَ مَاءُ النِّيلِ.

[فَرْعٌ] قَالَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ: يَحْرُمُ تَأْخِيرُ قَطْعِ الْخَلِيجِ وَنَحْوِهِ عَنْ الْوَقْتِ الَّذِي اسْتَحَقَّ أَنْ يُقْطَعَ فِيهِ كَبُلُوغِ النِّيلِ بِمِصْرِنَا سِتَّةَ عَشَرَ ذِرَاعًا اهـ. وَوَجْهُ الْحُرْمَةِ أَنَّ فِيهِ تَأْخِيرًا لَهُ عَنْ شُرْبِ الدَّوَابِّ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْهُ، فَتَأْخِيرُهُ مُفَوِّتٌ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَنَافِعِ الْعَامَّةِ اهـ (قَوْلُهُ غَيْرَ عَوْرَتِهِ) وَيَنْبَغِي أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَكْمَلُ، وَأَنَّ أَصْلَ السُّنَّةِ يَحْصُلُ بِكَشْفِ جُزْءٍ مَا مِنْ بَدَنِهِ وَإِنْ قَلَّ كَالرَّأْسِ وَالْيَدَيْنِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَغْتَسِلَ أَوْ يَتَوَضَّأَ فِي السَّيْلِ) أَيْ سَوَاءٌ حَصَلَ بِالِاسْتِسْقَاءِ أَوْ كَانَ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ الْحَدِيثُ وَقَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ هِيَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>