نُهِيت عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ» ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ» وَقَالَ «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ، فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ، فَلَوْ كَفَرَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ، وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى تَرْكِهَا جَحْدًا أَوْ عَلَى التَّغْلِيظِ، أَوْ الْمُرَادُ بَيْنَ مَا يُوجِبُهُ الْكُفْرُ مِنْ وُجُوبِ الْقَتْلِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.
وَلَوْ تَرَكَ الطَّهَارَةَ لَهَا قُتِلَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ؛ لِأَنَّهُ تَرْكٌ لَهَا، وَيُقَاسُ بِهَا الْأَرْكَانُ وَسَائِرُ الشُّرُوطِ. نَعَمْ مَحَلُّهُ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، أَوْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ وَاهٍ بِخِلَافِ الْقَوِيِّ، فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ: لَوْ تَرَكَ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا، أَوْ مَسَّ شَافِعِيٌّ الذَّكَرَ، أَوْ لَمَسَ الْمَرْأَةَ أَوْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَنْوِ وَصَلَّى مُتَعَمِّدًا لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّ جَوَازَ صَلَاتِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بَحْثًا بِمَا إذَا قَلَّدَ الْقَائِلُ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا قَائِلَ حِينَئِذٍ بِجَوَازِ صَلَاتِهِ. قَالَ: فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لَهَا عِنْدَ إمَامِهِ وَغَيْرِهِ فَعُلِمَ أَنَّ تَرْكَ التَّيَمُّمِ كَتَرْكِ الْوُضُوءِ إنْ وَجَبَ إجْمَاعًا، أَوْ مَعَ خِلَافٍ، وَلَمْ يُقَلِّدْ الْقَائِلُ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ اهـ.
وَالْأَوْجَهُ الْأَخْذُ بِالْإِطْلَاقِ، وَلَا يُقَاسُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ تَرْكُ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُحْبَسُ طُولَ النَّهَارِ نَوَاهُ فَأَجْدَى الْحَبْسُ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ يُمْكِنُ لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا بِالْمُقَاتَلَةِ مِمَّنْ امْتَنَعُوا مِنْهَا وَقَاتَلُونَا، فَكَانَتْ الْمُقَاتَلَةُ الْوَارِدَةُ فِيهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا، بِخِلَافِهَا فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِعْلُهَا بِالْمُقَاتَلَةِ فَكَانَتْ فِيهَا بِمَعْنَى الْقَتْلِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ اهـ.
فَالْأَوْجَهُ الْأَخْذُ بِالْإِطْلَاقِ (وَالصَّحِيحُ قَتْلُهُ) حَتْمًا (بِصَلَاةٍ فَقَطْ) عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ (بِشَرْطِ إخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ) فِيمَا لَهُ وَقْتُ ضَرُورَةٍ بِأَنْ تُجْمَعَ مَعَ الثَّانِيَةِ فِي وَقْتِهَا. فَلَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الظُّهْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَلَا بِتَرْكِ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، وَيُقْتَلُ فِي الصُّبْحِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَفِي الْعَصْرِ بِغُرُوبِهَا وَفِي الْعِشَاءِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، فَيُطَالَبُ بِأَدَائِهَا إنْ ضَاقَ وَقْتُهَا وَيُتَوَعَّدُ بِالْقَتْلِ إنْ أَخْرَجَهَا عَنْ الْوَقْتِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْمُطَالِبَ وَالْمُتَوَعِّدَ هُوَ الْإِمَامُ، أَوْ نَائِبُهُ فَلَا يُفِيدُ طَلَبُ غَيْرِهِ وَتَوَعُّدُهُ تَرَتُّبَ الْقَتْلِ الْآتِي؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَنْصِبِهِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّيَ كَتَرْكِ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَلِخَبَرِ «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ»
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: فَقَدْ: بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ) أَيْ خَرِبَتْ ذِمَّتُهُ (قَوْلُهُ: كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ) أَيْ وَعْدٌ مِنْهُ لَا يُخْلَفُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ إلَخْ) الَّذِي فِي مُسْلِمٍ قَالَ: سَمِعْت جَابِرًا يَقُولُ: سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» فَلَعَلَّهَا رِوَايَةٌ أُخْرَى.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ جَوَازَ صَلَاتِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ) أَيْ فَكَانَ جَرَيَانُ الْخِلَافِ شُبْهَةً فِي حَقِّهِ مَانِعَةً مِنْ قَتْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُقَلِّدْ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ الْأَخْذُ بِالْإِطْلَاقِ) أَيْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّقْلِيدِ وَعَدَمِهِ فِي أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ (قَوْلُهُ: فَأَجْدَى) أَيْ أَفَادَ (قَوْلُهُ: فَوُضِّحَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا) أَيْ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَقَوْلُهُ وَبَيْنَهَا أَيْ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ) أَيْ أَمَّا الْجُمُعَةُ فَيُقْتَلُ بِهَا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ أَقَلِّ مُمْكِنٍ مِنْ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ هُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ) وَمِنْهُ الْقَاضِي الَّذِي لَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ كَالْقَاضِي الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ: الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ) أَيْ جَمَاعَةِ الْإِسْلَامِ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا قَائِلَ حِينَئِذٍ بِجَوَازِ صَلَاتِهِ) فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْحَنَفِيُّ يَقُولُ بِجَوَازِ صَلَاةِ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أَوْ لَمَسَ الْمَرْأَةَ أَوْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَنْوِ وَإِنْ كَانَ شَافِعِيًّا وَلَمْ يُقَلِّدْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمُوَافَقَتِهِ لِاعْتِقَادِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْبَعْضِ الْمَذْكُورِ الشِّهَابُ حَجّ فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ الْأَخْذُ بِالْإِطْلَاقِ) أَيْ فَمَتَى كَانَ فِيهِ خِلَافٌ غَيْرُ وَاهٍ فَلَا قَتْلَ وَإِنْ لَمْ يُقَلِّدْ (قَوْلُهُ: إخْرَاجُهَا عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ) بِمَعْنَى وَقْتِ الْعُذْرِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَزَّرُ) لَوْ سَاقَ هَذَا عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْمَارِّ قُتِلَ حَدًّا لَكَانَ أَنْسَبَ وَأَوْضَحَ (قَوْلُهُ: وَالْحَجُّ) لَا وَجْهَ لِلتَّمْثِيلِ بِهِ هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute