وَلِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الْقَضَاءِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْقِيَاسَ مَتْرُوكٌ بِالنُّصُوصِ وَالْخَبَرُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِمَا ذُكِرَ وَقَتْلُهُ خَارِجَ الْوَقْتِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّرْكِ بِلَا عُذْرٍ، عَلَى أَنَّا نَمْنَعُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ لِتَرْكِ الْقَضَاءِ مُطْلَقًا، إذْ مَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا فِي الْوَقْتِ وَيُهَدَّدُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَقُلْ أَفْعَلُهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَقْتَ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَقْتَانِ: أَحَدُهُمَا وَقْتُ أَمْرٍ، وَالْآخَرُ وَقْتُ قَتْلٍ. فَوَقْتُ الْأَمْرِ هُوَ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ عَنْ فِعْلِهَا يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَأْمُرَ التَّارِكَ فَنَقُولَ لَهُ صَلِّ، فَإِنْ صَلَّيْت تَرَكْنَاك، وَإِنْ أَخْرَجْتهَا عَنْ الْوَقْتِ قَتَلْنَاك، وَفِي وَقْتِ الْأَمْرِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا، إذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ زَمَنٌ يَسَعُ مِقْدَارَ الْفَرِيضَةِ وَالطَّهَارَةِ، وَالثَّانِي إذَا بَقِيَ زَمَنٌ يَسَعُ رَكْعَةً وَطَهَارَةً كَامِلَةً، وَيُقْتَلُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ أَيْضًا وَإِنْ قَالَ أُصَلِّيهَا ظُهْرًا كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الشَّاشِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ: إنَّهُ الْأَقْوَى لِتَرْكِهَا بِلَا قَضَاءٍ؛ لِأَنَّ الظُّهْرَ لَيْسَ قَضَاءً عَنْهَا، وَمَحَلُّهُ حَيْثُ كَانَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ إجْمَاعًا، وَأَفْتَى الشَّيْخُ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِهَا حَيْثُ أَمَرَ بِهَا وَامْتَنَعَ مِنْهَا، أَوْ قَالَ أُصَلِّيهَا ظُهْرًا عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ خُطْبَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الظُّهْرِ: أَيْ عَنْ أَقَلِّ مُمْكِنٍ مِنْ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ، لِأَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ لَيْسَ وَقْتًا لَهَا فِي حَالَةٍ بِخِلَافِ الظُّهْرِ. لَا يُقَالُ: يَنْبَغِي قَتْلُهُ عَقِبَ سَلَامِ الْإِمَامِ مِنْهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: شُبْهَةُ احْتِمَالٍ تَبَيَّنَ فَسَادُهَا وَإِعَادَتُهَا فَيُدْرِكُهَا أَوْجَبَتْ التَّأْخِيرَ لِلْيَأْسِ مِنْهَا بِكُلِّ تَقْدِيرٍ وَهُوَ مَا مَرَّ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَوْجَهُ: أَحَدُهَا يُقْتَلُ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ يُحْتَمَلُ تَرْكُهَا لِشُبْهَةِ الْجَمْعِ ثَانِيهَا إذَا ضَاقَ وَقْتُ الرَّابِعَةِ لِأَنَّ الثَّلَاثَ أَقَلُّ الْجَمْعِ فَاغْتُفِرَتْ.
ثَالِثُهَا إذَا تَرَكَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَنَدَ إلَى تَأْوِيلٍ مِنْ تَرْكِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ، رَابِعُهَا إذَا صَارَ التَّرْكُ لَهُ عَادَةً، خَامِسُهَا لَا يُعْتَبَرُ وَقْتُ الضَّرُورَةِ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى كَلَامِ الشَّارِحِ فِي حِكَايَةٍ مُقَابِلَ الصَّحِيحِ (وَيُسْتَتَابُ) مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ نَدْبًا كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِنْ وُجُوبِهَا كَالْمُرْتَدِّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا كَمَا أَفَادَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ الرِّدَّةَ تُخَلِّدُ فِي النَّارِ فَوَجَبَ إنْقَاذُهُ مِنْهَا، بِخِلَافِ تَرْكِ الصَّلَاةِ، بَلْ مُقْتَضَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ أَنَّ الْحُدُودَ تُسْقِطُ الْإِثْمَ أَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ شَيْءٌ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حُدَّ عَلَى هَذِهِ الْجَرِيمَةِ وَالْمُسْتَقْبَلُ لَمْ يُخَاطَبْ بِهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ فِي عَزْمِهِ أَنَّهُ إنْ عَاشَ لَمْ يُصَلِّ أَيْضًا مَا بَعْدَهَا فَهُوَ أَمْرٌ آخَرُ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ.
وَاسْتَشْكَلَ الْإِسْنَوِيُّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِأَنْ تَرَكَ مَا هُوَ عِمَادُ الدِّينِ وَهُوَ الصَّلَاةُ وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ (قَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَيْنَا) أَيْ عَلَى الْمُخَاطَبِ مِنَّا، وَهُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (قَوْلُهُ: إذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ زَمَنٌ إلَخْ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِفِعْلِهِ بِأَخَفَّ مُمْكِنٍ (قَوْلُهُ مِقْدَارَ الْفَرِيضَةِ) أَيْ تَامَّةٌ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الظُّهْرَ لَيْسَ قَضَاءً عَنْهَا) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ هَدَّدَ عَلَيْهَا فِي وَقْتِهَا وَلَمْ تُفْعَلْ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ ثُمَّ تَابَ وَقَالَ: أُصَلِّي الْجُمُعَةَ الْقَابِلَةَ لَكِنَّهُ لَمْ يُصَلِّ ظُهْرَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يُقْتَلْ بِتَرْكِهِ لِكَوْنِهِ لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الْقَضَاءِ، لَكِنْ فِي فَتَاوَى الشَّارِحِ أَنَّهُ يُقْتَلُ حَيْثُ امْتَنَعَ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَأَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الْقَتْلِ بِالْقَضَاءِ إذَا لَمْ يُهَدِّدْ بِهِ أَوْ بِأَصْلِهِ كَمَا هُنَا فَإِنَّ التَّهْدِيدَ عَلَى الْجُمُعَةِ تَهْدِيدٌ عَلَى تَرْكِهَا وَبَدَلُهَا قَائِمٌ مَقَامَهَا فَكَأَنَّهُ هَدَّدَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: إجْمَاعًا) أَيْ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْجُمُعَةُ وَتَرَكَ فِعْلَهَا لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالسَّابِقَةِ فَهَلْ يُقْتَلُ لِتَرْكِهِ لَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ أَوْ لَا لِعُذْرِهِ بِالشَّكِّ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّا نَقُولُ شُبْهَةُ احْتِمَالٍ تَبَيَّنَ فَسَادُهَا وَإِعَادَتُهَا إلَخْ) أَيْ وَإِنْ أَيِسْنَا مِنْ ذَلِكَ عَادَةً حَقْنًا لِلدَّمِ مَا أَمْكَنَ (قَوْلُهُ خَامِسُهَا لَا يُعْتَبَرُ إلَخْ) هَذَا الْوَجْهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمَحَلِّيُّ وَقَوْلُهُ لِوَقْتِ الضَّرُورَةِ: أَيْ بِالسَّابِقِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ تَرْكِ الصَّلَاةِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُدُ بَلْ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَهُوَ أَمْرٌ آخَرُ) أَيْ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ عَلَى
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَفِي وَقْتِ الْأَمْرِ وَجْهَانِ) أَقَامَ فِيهِ الْمُظْهَرَ مَقَامَ الْمُضْمَرِ، وَسَكَتَ عَنْ مُقَابِلِهِ وَهُوَ وَقْتُ الْقَتْلِ لِعِلْمِهِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ خُطْبَتَيْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِيُقْتَلُ وَسَكَتَ عَنْ وَقْتِ الْأَمْرِ بِالْجُمُعَةِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ مَعْنَى كَلَامِ الشَّارِحِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَذْكُرْ الْخَامِسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute