للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا تَقَرَّرَ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا عَلَى التَّأْخِيرِ عَنْ الْوَقْتِ وَالْحُدُودُ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدَّ هُنَا لَيْسَ هُوَ عَلَى مَعْصِيَةٍ سَابِقَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ حَمْلٌ لَهُ عَلَى فِعْلِ مَا تَرَكَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، أَوْ بِأَنَّهُ عَلَى تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَمْدًا مَعَ تَرْكِهَا، فَالْعِلَّةُ مُرَكَّبَةٌ فَإِذَا صَلَّى زَالَتْ الْعِلَّةُ، وَقَالَ الرِّيمِيُّ فِي التَّفْقِيهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّوْبَةَ هُنَا تُفِيدُ تَدَارُكَ الْفَائِتِ، بِخِلَافِ التَّوْبَةِ عَنْ الزِّنَا وَشِبْهِهِ فَإِنَّ التَّوْبَةَ لَا تُفِيدُ تَدَارُكَ مَا مَضَى مِنْ الْجَرِيمَةِ بَلْ تُفِيدُ الِامْتِنَاعَ عَنْهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، بِخِلَافِ تَوْبَتِهِ هُنَا فَإِنَّهَا بِفِعْلِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ يُحَقِّقُ الْمُرَادَ فِي الْمَاضِي.

وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: تَارِكُ الصَّلَاةِ يَسْقُطُ حَدُّهُ بِالتَّوْبَةِ وَهُوَ الْعَوْدُ لِفِعْلِ الصَّلَاةِ كَالْمُرْتَدِّ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُ، وَغَلِطَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: كَيْفَ تَنْفَعُ التَّوْبَةُ؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ سَرَقَ نِصَابًا، ثُمَّ رَدَّهُ لَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ، وَهَذَا كَلَامُ مَنْ ظَنَّ أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تُسْقِطُ الْحُدُودَ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ.

وَتَوْبَتُهُ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّ الْإِمْهَالَ يُؤَدِّي إلَى تَأْخِيرِ صَلَوَاتٍ، وَقِيلَ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهُمَا فِي النَّدْبِ، وَقِيلَ فِي الْوُجُوبِ، وَلَوْ قَتَلَهُ فِي مُدَّةِ الِاسْتِتَابَةِ، أَوْ قَبْلَهَا إنْسَانٌ لَيْسَ مِثْلَهُ أَثِمَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَقَاتِلِ الْمُرْتَدِّ، وَلَوْ جُنَّ، أَوْ سَكِرَ قَبْلَ فِعْلِ الصَّلَاةِ لَمْ يُقْتَلْ، فَإِنْ قُتِلَ وَجَبَ الْقَوَدُ، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْمُرْتَدِّ لَا قَوَدَ عَلَى قَاتِلِهِ لِقِيَامِ الْكُفْرِ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَعَانَدَ بِالتَّرْكِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، أَمَّا تَارِكُ الْمَنْذُورَةِ الْمُؤَقَّتَةِ فَلَا يُقْتَلُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ.

(ثُمَّ) إذَا لَمْ يَتُبْ (يُضْرَبُ عُنُقُهُ) بِالسَّيْفِ وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ لِخَبَرِ «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» (وَقِيلَ) لَا يُقْتَلُ لِانْتِفَاءِ الدَّلِيلِ الْوَاضِحِ عَلَى قَتْلِهِ (بَلْ يُنْخَسُ بِحَدِيدَةٍ) وَقِيلَ يُضْرَبُ بِخَشَبَةٍ: أَيْ عَصَا (حَتَّى يُصَلِّيَ أَوْ يَمُوتَ) إذْ الْمَقْصُودُ حَمْلُهُ عَلَى الصَّلَاةِ لَا قَتْلُهُ وَمَرَّ رَدُّهُ (وَ) بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ الصَّلَاةَ مِنْ أَنَّهُ (يُغَسَّلُ) ، ثُمَّ يُكَفَّنُ (وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) بَعْدَ ظُهْرِهِ (وَيُدْفَنُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ) فِي مَقَابِرِهِمْ (وَلَا يُطْمَسُ قَبْرُهُ) كَبَقِيَّةِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ أَبْدَى عُذْرًا كَنِسْيَانٍ، أَوْ بَرْدٍ أَوْ عَدَمِ مَاءٍ، أَوْ نَجَاسَةٍ عَلَيْهِ صَحِيحَةً كَانَتْ الْأَعْذَارُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَمْ بَاطِلَةً، كَمَا لَوْ قَالَ صَلَّيْت وَظَنَنَّا كَذِبَهُ لَمْ نَقْتُلْهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ تَعَمُّدِهِ تَأْخِيرَهَا عَنْ وَقْتِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، نَعَمْ نَأْمُرُهُ بِهَا بَعْدَ ذِكْرِ الْعُذْرِ وُجُوبًا فِي الْعُذْرِ الْبَاطِلِ وَنَدْبًا فِي الصَّحِيحِ بِأَنْ نَقُولَ لَهُ صَلِّ فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُقْتَلْ لِذَلِكَ، فَإِنْ قَالَ تَعَمَّدْت تَرْكَهَا بِلَا عُذْرٍ قُتِلَ سَوَاءٌ أَقَالَ وَلَا أُصَلِّيهَا أَمْ سَكَتَ لِتَحَقُّقِ جِنَايَتِهِ بِتَعَمُّدِ التَّأْخِيرِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: لَوْ زَعَمَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْعَزْمِ عَلَى التَّرْكِ وَعَلَى تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ إنْ وَجَدَ مِنْهُ (قَوْلُهُ: أَوْ قَبْلَهَا) أَيْ إذَا كَانَ بَعْدَ أَمْرِ الْإِمَامِ اهـ زِيَادِيٌّ.

أَمَّا قَبْلَهُ فَيَضْمَنُ (قَوْلُهُ: لَيْسَ مِثْلَهُ) أَيْ فِي الْإِهْدَارِ وَإِنْ اخْتَلَفَ سَبَبُهُ كَزَانٍ مُحْصَنٍ أَوْ قَاطِعِ طَرِيقٍ مَعَ تَارِكِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: أَمَّا تَارِكُ الْمَنْذُورَةِ) مُحْتَرِزُ قَوْلِهِ أَصَالَةً.

(قَوْلُهُ: يُنْخَسُ بِحَدِيدَةٍ) أَيْ فِي أَيِّ مَحَلٍّ كَانَ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّى الْمَقَاتِلَ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ حَمْلُهُ عَلَى الصَّلَاةِ بِالتَّعْذِيبِ وَنَخْسُهُ فِي الْمُقَاتِلِ قَدْ يُفَوِّتُ ذَلِكَ الْغَرَضَ (قَوْلُهُ: بِتَعَمُّدِ التَّأْخِيرِ) قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ: ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَمَرَ بِهَا عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْأَمْرِ بِهَا عِنْدَ الضَّيِّقِ لِتَحَقُّقِ جِنَايَتِهِ، وَهَذَا قَدْ تَحَقَّقَتْ جِنَايَتُهُ بِاعْتِرَافِهِ. وَجَوَّزَ م ر أَنْ يُقَيِّدَ هَذَا بِمَا إذَا كَانَ قَدْ أَمَرَ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا جَزَمَ بِهَذَا التَّقْيِيدِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَقَالَ: وَمَتَى قَالَ تَعَمَّدْت تَرْكَهَا بِلَا عُذْرٍ قُتِلَ سَوَاءٌ قَالَ لَا أُصَلِّيهَا أَمْ سَكَتَ لِتَحَقُّقِ جِنَايَتِهِ بِتَعَمُّدِ التَّأْخِيرِ: أَيْ مَعَ الطَّلَبِ فِي الْوَقْتِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ اهـ. وَالْأَقْرَبُ مَا قَيَّدَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدَّ هُنَا لَيْسَ هُوَ عَلَى مَعْصِيَةٍ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ لَيْسَ حَدًّا إلَّا فِي الصُّورَةِ حَتَّى يُلَاقِيَ الْإِشْكَالَ.

(قَوْلُهُ: وَمَرَّ رَدُّهُ) كَأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ مَرَّ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ رَدُّهُ وَهُوَ خَبَرُ «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» وَهُوَ تَابِعٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلشِّهَابِ حَجّ، لَكِنَّ ذَاكَ صَرَّحَ أَوَّلًا بِرَدِّهِ حَيْثُ قَالَ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ كَسَلًا قُتِلَ مَا نَصُّهُ: وَنَخْسُهُ بِالْحَدِيدِ الْآتِي لَيْسَ مِنْ إحْسَانِ الْقِتْلَةِ فِي شَيْءٍ فَلَمْ نَقُلْ بِهِ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>