للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صَحَّتْ إنْ لَمْ يُرِدْ بِهَا النَّعْشَ، وَهِيَ مِنْ جَنَزَهُ إذَا سَتَرَهُ ذَكَرَهُ ابْنُ فَارِسٍ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: لَا يُسَمَّى جِنَازَةً حَتَّى يُشَدَّ الْمَيِّتُ عَلَيْهِ مُكَفَّنًا، وَيَشْتَمِلُ هَذَا الْكِتَابُ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ وَمَقَاصِدَ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ (لِيُكْثِرَ) نَدْبًا كُلَّ مُكَلَّفٍ صَحِيحًا كَانَ، أَوْ مَرِيضًا (ذِكْرَ الْمَوْتِ) بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ بِأَنْ يَجْعَلَهُ نُصُبَ عَيْنَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أُزْجَرُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَأَدْعَى لِلطَّاعَةِ وَصَحَّ «أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ» يَعْنِي الْمَوْتَ زَادَ النَّسَائِيّ «فَإِنَّهُ مَا ذُكِرَ فِي كَثِيرٍ أَيْ مِنْ الدُّنْيَا وَالْأَمَلِ فِيهَا إلَّا قَلَّلَهُ، وَلَا قَلِيلٍ: أَيْ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا كَثَّرَهُ» ، وَهَاذِمُ بِالْمُعْجَمَةِ مَعْنَاهُ قَاطِعُ.

وَأَمَّا بِالْمُهْمَلَةِ فَهُوَ الْمُزِيلُ لِلشَّيْءِ مِنْ أَصْلِهِ، وَفِي الْمَجْمُوعِ: يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ حَدِيثِ «اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ وَتَمَامِهِ، قَالُوا: إنَّا نَسْتَحْيِي مِنْ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَكِنْ مَنْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ فَلْيَحْفَظْ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَلْيَحْفَظْ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْيَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ» وَالْمَوْتُ: مُفَارَقَةُ الرُّوحِ الْجَسَدَ، وَالرُّوحُ جِسْمٌ لَطِيفٌ مُشْتَبِكٌ بِالْبَدَنِ اشْتِبَاكَ الْمَاءِ بِالْعُودِ الْأَخْضَرِ وَهُوَ بَاقٍ لَا يَفْنَى، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: ٤٢] فَفِيهِ تَقْدِيرٌ وَهُوَ عِنْدَ مَوْتِ أَجْسَادِهَا (وَيَسْتَعِدُّ) لَهُ (بِالتَّوْبَةِ) وَهِيَ كَمَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَرْكُ الذَّنْبِ وَالنَّدَمِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

لِمَيِّتٍ فِي النَّعْشِ وَهُوَ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ أَوْ لِنَعْشٍ عَلَيْهِ مَيِّتٌ وَهُوَ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، هَذَا، وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّعْشِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ وَإِنَّمَا عَبَّرُوا بِذَلِكَ لِغَلَبَتِهِ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ ابْنُ فَارِسٍ إلَخْ) هُوَ قَوْلُهُ مِنْ جَنَزَهُ (قَوْلُهُ: لَا يُسَمَّى جِنَازَةً) أَيْ النَّعْشُ (قَوْلُهُ لِيَكْثُرَ كُلُّ مُكَلَّفٍ إلَخْ) قَالَ حَجّ: نَدْبًا مُؤَكَّدًا وَإِلَّا فَأَصْلُ ذِكْرِهِ سُنَّةٌ أَيْضًا، وَلَا يُفْهِمُهُ الْمَتْنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَدْبِ الْأَكْثَرِ نَدْبُ الْأَقَلِّ الْخَالِي عَنْ الْكَثْرَةِ، وَإِنْ لَزِمَ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالْكَثْرَةِ الْإِتْيَانُ بِالْأَقَلِّ وَكَوْنُهُ مِنْ حَيْثُ انْدِرَاجُهُ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ شَيْخِنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ الْمُسْتَلْزِمِ ذَلِكَ لِاسْتِحْبَابِ ذِكْرِهِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا اهـ (قَوْلُهُ: كُلُّ مُكَلَّفٍ) يَسْتَثْنِي طَالِبَ الْعِلْمِ فَلَا يُسَنُّ لَهُ ذِكْرُ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ يَقْطَعُهُ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم عَلَى حَجّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْوَلِيِّ وَنَحْوِهِ أَمْرَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ بِذَلِكَ اهـ.

وَقَوْلُهُ يَطْلُبُ: أَيْ نَدْبًا (قَوْلُهُ: وَصَحَّ «أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ» ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَخْرِيجِ الْعَزِيزِ: ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ أَنَّ الرِّوَايَةَ فِي بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَاهُ الْقَاطِعُ. وَأَمَّا بِالْمُهْمَلَةِ فَمَعْنَاهُ الْمُزِيلُ لِلشَّيْءِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا هُنَا وَفِي هَذَا النَّفْيِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى اهـ. وَقَدْ جَوَّزَ فِي فَتْحِ الْإِلَهِ الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ: فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ أَوْ بِالْكِنَايَةِ شَبَّهَ وُجُودَ اللَّذَّاتِ ثُمَّ زَوَالَهَا بِذِكْرِ الْمَوْتِ بِبُنْيَانٍ مُرْتَفِعٍ هَدَمَتْهُ صَعَقَاتٌ هَائِلَةٌ حَتَّى لَمْ تُبْقِ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ مَا يَمْنَعُ قَوْلَ السُّهَيْلِيِّ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا هُنَا فَإِنْ جَعَلَهُ اسْتِعَارَةً لَا يُؤَدِّي إلَى أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ مُرَادٌ، وَغَايَتُهُ أَنْ يُصَحِّحَ التَّعْبِيرَ بِالْهَاذِمِ عَنْ الْقَاطِعِ مَجَازًا، وَلَيْسَ كَلَامُ السُّهَيْلِيِّ فِي التَّعْبِيرِ بَلْ فِي أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لِلْهَاذِمِ غَيْرُ مُرَادٍ، وَقَوْلُهُ شَبَّهَ وُجُودَ اللَّذَّاتِ تَقْرِيرٌ لِلِاسْتِعَارَةِ بِالْكِنَايَةِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِتَقْرِيرِ التَّبَعِيَّةِ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يُقَالَ: وَشَبَّهَ إزَالَةَ اللَّذَّاتِ بِذِكْرِ الْمَوْتِ بِهَدْمِ الصَّوَاعِقِ أَوْ نَحْوِهَا لِلْبِنَاءِ الْمُرْتَفِعِ وَاسْتَعَارَ لَهُ اسْمَهُ ثُمَّ اُشْتُقَّ مِنْهُ هَاذِمٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ مَا ذُكِرَ فِي كَثِيرٍ إلَخْ) مِثْلُهُ فِي حَجّ وَفِي الْمَحَلِّيِّ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ مَا يَذْكُرُ (قَوْلُهُ: فَلْيَحْفَظْ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى) أَيْ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْبَصَرِ وَالسَّمْعِ وَاللِّسَانِ، وَلْيَحْفَظْ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى يَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْقَلْبَ وَالْفَرْجَ.

وَالْمُرَادُ بِحِفْظِ الْبَطْنِ أَنْ يَصُونَهُ عَنْ وُصُولِ الْحَرَامِ إلَيْهِ مِنْ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ (قَوْلُهُ: وَالْمَوْتُ مُفَارَقَةُ الرُّوحِ الْجَسَدَ) وَهَلْ الرُّوحُ مَوْجُودَةٌ قَبْلَ خَلْقِ الْجَسَدِ أَوْ لَا؟ فِيهِ خِلَافٌ فِي الْعَقَائِدِ، وَالْمُعْتَمَدُ مِنْهُ الْأَوَّلُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: فَفِيهِ تَقْدِيرٌ إلَخْ) هَذَا بِمُجَرَّدِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ فَنَائِهَا، وَأَوْلَى مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ حَيْثُ قَالَ: أَيْ يَقْبِضُهَا عَنْ الْأَبْدَانِ بِأَنْ يَقْطَعَ تَعَلُّقَهَا عَنْهَا وَتَصَرُّفَهَا فِيهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَذَلِكَ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا وَهُوَ فِي النَّوْمِ اهـ. وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ قَوْلِهِ بِأَنْ يَقْطَعَ تَعَلُّقَهَا إلَخْ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ وَإِنَّمَا زَالَ عَنْهَا التَّعَلُّقُ بِالْبَدَنِ (قَوْلُهُ: وَيَسْتَعِدُّ لَهُ بِالتَّوْبَةِ) صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْصَرَ جَمَاعَةً يَحْفِرُونَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>