يُطْلَبُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَيِّتِ كَانَتْ يس أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا أَخْذًا بِظَاهِرِ هَذَا الْخَبَرِ، وَكَانَ مَعْنَى لَا يُقْرَأُ عَلَى الْمَيِّتِ: أَيْ قَبْلَ دَفْنِهِ، إذْ الْمَطْلُوبُ الْآنَ الِاشْتِغَالُ بِتَجْهِيزِهِ، أَمَّا بَعْدَ دَفْنِهِ فَيَأْتِي فِي الْوَصِيَّةِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ تَنْفَعُهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَلَا مَانِعَ مِنْ نَدْبِهَا حِينَئِذٍ كَالصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا، وَحِكْمَةُ قِرَاءَتِهَا تَذْكِيرُهُ بِمَا فِيهَا مِنْ أَحْوَالِ الْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ، قِيلَ وَيُقْرَأُ عِنْدَهُ الرَّعْدُ لِقَوْلِ جَابِرٍ: إنَّهَا تُهَوِّنُ طُلُوعَ الرُّوحِ، وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْجِيلِيِّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَجْرِيعُهُ مَاءً، فَإِنَّ الْعَطَشَ يَغْلِبُ مِنْ شِدَّةِ النَّزْعِ فَيُخَافُ مِنْهُ إزْلَالُ الشَّيْطَانِ، إذْ وَرَدَ أَنَّهُ يَأْتِي بِمَاءٍ زُلَالٍ وَيَقُولُ قُلْ لَا إلَهَ غَيْرِي حَتَّى أَسْقِيَك، وَأَقَرَّهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ غَرِيبٌ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا اهـ.
، وَمَحَلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ ظُهُورِ أَمَارَةِ احْتِيَاجِ الْمُحْتَضَرِ إلَيْهِ، أَمَّا عِنْدَ ظُهُورِهَا فَهُوَ وَاجِبٌ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ.
(وَلْيُحْسِنْ) الْمَرِيضُ نَدْبًا (ظَنَّهُ بِرَبِّهِ) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى» أَيْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَرْحَمُهُ وَيَعْفُو عَنْهُ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِتَدَبُّرِ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ بِسَعَةِ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالْأَحَادِيثِ، وَيُنْدَبُ لِلْحَاضِرِينَ أَنْ يُحَسِّنُوهُ وَيُطَمِّعُوهُ فِي رَحْمَتِهِ تَعَالَى، وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ وُجُوبَهُ إذَا رَأَوْا مِنْهُ أَمَارَاتِ الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ، إذْ قَدْ يُفَارِقُ عَلَى ذَلِكَ فَيَهْلِكُ فَتَعَيَّنَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ قَاعِدَةِ النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ وَهَذَا الْحَالُ مِنْ أَهَمِّهَا وَمَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ، وَالْأَظْهَرُ كَمَا فِي
ــ
[حاشية الشبراملسي]
إدْرَاكِ رُوحِهِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِسَمَاعِ الْقُرْآنِ وَحُصُولِ بَرَكَتِهِ لَهُ كَالْحَيِّ، إذَا صَحَّ السَّلَامُ عَلَيْهِ فَالْقِرَاءَةُ أَوْلَى. نَعَمْ يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا فِي خَبَرٍ غَرِيبٍ «مَا مِنْ مَرِيضٍ يُقْرَأُ عِنْدَهُ يس إلَّا مَاتَ رَيَّانَا وَأُدْخِلَ قَبْرَهُ رَيَّانَا» اهـ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهَا) أَيْ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ أَيْضًا: أَيْ فَتَكْرِيرُهَا أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ غَيْرِهَا الْمُسَاوِي لِمَا كَرَّرَهُ، وَمِثْلُهُ تَكْرِيرُ مَا حَفِظَهُ مِنْهَا وَلَوْ لَمْ يُحْسِنْهَا بِتَمَامِهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهَا بِخُصُوصِهِ مَطْلُوبٌ فِي ضِمْنِ طَلَبِ كُلِّهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَقْرَأُ مَا يَحْفَظُهُ مِنْ غَيْرِهَا مِمَّا هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مِثْلِ مَا فِيهَا وَلَعَلَّهُ الْأَقْرَبُ (قَوْلُهُ: إذْ الْمَطْلُوبُ الْآنَ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ لَا عَلَقَةَ لَهُ بِالِاشْتِغَالِ بِتَجْهِيزِهِ تُطْلَبُ الْقِرَاءَةُ مِنْهُ وَإِنْ بَعُدَ عَنْ الْمَيِّتِ.
[فَائِدَةٌ] قَالَ حَجّ: وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يُنْدَبُ لِلزَّائِرِ وَالْمُشَيِّعِ قِرَاءَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ اهـ. وَيَنْبَغِي حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى قِرَاءَتِهِ سِرًّا لِيُوَافِقَ مَا يَأْتِي الشَّارِحُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَنْثُورَةِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَيُكْرَهُ اللَّفْظُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُسَنُّ الِاشْتِغَالُ بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ سِرًّا اهـ (قَوْلُهُ: تَذْكِيرُهُ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قِرَاءَتُهَا عِنْدَهُ جَهْرًا (قَوْلُهُ: وَيُقْرَأُ عِنْدَهُ الرَّعْدُ) أَيْ بِتَمَامِهَا إنْ اتَّفَقَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَمَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنْهَا (قَوْلُهُ لِقَوْلِ جَابِرٍ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قِرَاءَتُهَا سِرًّا وَلَوْ أَمَرَهُ الْمُحْتَضَرُ بِالْقِرَاءَةِ جَهْرًا؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ إيلَامٍ لَهُ، وَبَقِيَ مَا لَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهُمَا فَهَلْ يُقَدِّمُ يس لِصِحَّةِ حَدِيثِهَا أَمْ الرَّعْدَ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِمُرَاعَاةِ حَالِ الْمُحْتَضَرِ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ شُعُورٌ وَتَذَكُّرٌ بِأَحْوَالِ الْبَعْثِ قَرَأَ سُورَةَ يس وَإِلَّا قَرَأَ سُورَةَ الرَّعْدِ (قَوْلُهُ أَنَّهُ يَأْتِي بِمَاءٍ زُلَالٍ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْمَاءُ الزُّلَالُ الْعَذْبُ اهـ (قَوْلُهُ: حَتَّى أَسْقِيك) أَيْ فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ مَاتَ عَلَى غَيْرِ الْإِيمَانِ إنْ كَانَ عَقْلُهُ حَاضِرًا، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَقْلُهُ حَاضِرًا وَإِنْ كُنَّا لَا نُشَاهِدُ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَلْيُحْسِنْ الْمَرِيضُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَرَضُهُ مَخُوفًا، وَيُحْسِنُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَكَسْرِ السِّينِ مُخَفَّفَةً وَبِضَمِّهَا أَيْضًا وَفَتْحِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ: إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ) وَفِي ثِقَاتِ ابْنِ حِبَّانَ أَنَّ بَعْضَ السَّلَفِ سُئِلَ عَنْ مَعْنَاهُ فَقَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجْمَعُهُ وَالْفُجَّارُ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ أَحْسِنُوا أَعْمَالَكُمْ حَتَّى يَحْسُنَ ظَنُّكُمْ بِرَبِّكُمْ، مَنْ حَسُنَ عَمَلُهُ حَسُنَ ظَنُّهُ بِرَبِّهِ، وَمَنْ سَاءَ عَمَلُهُ سَاءَ ظَنُّهُ اهـ مِنْ تَخْرِيجِ الْعَزِيزِ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: كَانَتْ يس أَفْضَلَ) لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْجَمْعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَكَانَ مَعْنَى لَا يَقْرَأُ عَلَى الْمَيِّتِ) أَيْ الَّذِي هُوَ كَلَامُ غَيْرِ ابْنِ الرِّفْعَةِ، لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَأْتِي مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute