الْمَجْمُوعِ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ اسْتِوَاءُ خَوْفِهِ وَرَجَائِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مَعًا، وَفِي الْإِحْيَاءِ: إنْ غَلَبَ دَاءُ الْقُنُوطِ فَالرَّجَاءُ أَوْلَى، أَوْ دَاءُ أَمْنِ الْمَكْرِ فَالْخَوْفُ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا اسْتَوَيَا، قِيلَ وَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، أَمَّا الْمَرِيضُ غَيْرُ الْمُحْتَضَرِ فَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ أَنَّهُ كَالْمُحْتَضَرِ فَيَكُونُ رَجَاؤُهُ أَغْلَبَ مِنْ خَوْفِهِ كَمَا مَرَّ، وَالظَّنُّ يَنْقَسِمُ فِي الشَّرْعِ إلَى وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ وَحَرَامٍ وَمُبَاحٍ، فَالْوَاجِبُ حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْحَرَامُ سُوءُ الظَّنِّ بِهِ تَعَالَى وَبِكُلِّ مَنْ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُبَاحُ الظَّنُّ بِمَنْ اُشْتُهِرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِمُخَالَطَةِ الرَّيْبِ وَالْمُجَاهَرَةِ بِالْخَبَائِثِ، فَلَا يَحْرُمُ ظَنُّ السُّوءِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ دَلَّ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا أَنَّ مَنْ سَتَرَ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يُظَنَّ بِهِ إلَّا خَيْرٌ، وَمَنْ دَخَلَ مَدْخَلَ السُّوءِ اُتُّهِمَ، وَمَنْ هَتَكَ نَفْسَهُ ظَنَنَّا بِهِ السُّوءَ، وَمِنْ الظَّنِّ الْجَائِزِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ مَا يَظُنُّ الشَّاهِدُ أَنَّ فِي التَّقْوِيمِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَمَا يَحْصُلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْأَحْكَامِ بِالْإِجْمَاعِ وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ قَطْعًا وَالْبَيِّنَاتُ عِنْدَ الْحُكَّامِ.
(فَإِذَا مَاتَ غُمِّضَ) نَدْبًا «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شُقَّ بَصَرُهُ، فَأَغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ: أَيْ ذَهَبَ، أَوْ شَخَصَ نَاظِرًا إلَى الرُّوحِ أَيْنَ تَذْهَبُ، لَا يُقَالُ: كَيْفَ يَنْظُرُ بَعْدَهَا؟ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: يَبْقَى فِيهِ مِنْ آثَارِ الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ عَقِبَ مُفَارَقَتِهَا مَا يَقْوَى بِهِ عَلَى نَوْعِ تَطَلُّعٍ كَمَا يَدُلُّ لَهُ مَا يَأْتِي، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْعَيْنَ أَوَّلُ شَيْءٍ يَخْرُجُ مِنْهُ الرُّوحُ وَأَوَّلُ شَيْءٍ يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَيُسَنُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنْ يَقُولَ حَالَ إغْمَاضِهِ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعِنْدَ حَمْلِهِ: بِسْمِ اللَّهِ، ثُمَّ يُسَبِّحُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: اسْتِوَاءُ خَوْفِهِ) أَيْ الْأَلْيَقُ بِهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَالْوَاجِبُ حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ) بِأَنْ لَا يَظُنَّ بِهِ سُوءًا كَنِسْبَتِهِ لِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَالْمُبَاحُ الظَّنُّ إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ الْمَنْدُوبَ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْإِجْمَالِ لِلتَّصْرِيحِ بِهِ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَسْتَحْضِرُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْفِرُ لَهُ وَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَاجِبٌ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنْ لَا يُظَنَّ بِهِ سُوءٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَكْرُوهَ أَيْضًا وَلَعَلَّهُ لِعَدَمِ تَأَتِّيه وَقَدْ يُصَوَّرُ بِأَنْ ظَنَّ فِي نَفْسِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرْحَمُهُ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِ هَذَا، وَقَوْلُهُ فَلَا يَحْرُمُ ظَنُّ السُّوءِ بِهِ يُقَالُ عَلَيْهِ بِأَنَّ عَدَمَ حُرْمَةِ ظَنِّ السُّوءِ لَا يَسْتَلْزِمُ إبَاحَةَ ظَنِّ السُّوءِ بِمَنْ اتَّصَفَ بِذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: فَإِذَا مَاتَ غُمِّضَ) أَيْ وَلَوْ أَعْمَى لِئَلَّا يَقْبُحَ مَنْظَرُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، ثُمَّ رَأَيْت سم عَلَى بَهْجَةٍ صَرَّحَ بِذَلِكَ، وَقَالَ فِي الْإِيعَابِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَرِيضَ لَا يُسَنُّ لَهُ تَغْمِيضُ عَيْنَيْ نَفْسِهِ قُبَيْلَ مَوْتِهِ وَإِنْ أَمْكَنَ بِلَا مَشَقَّةٍ، لَكِنْ بَحَثَ بَعْضُهُمْ نَدْبَهُ إنْ لَمْ يَحْضُرْ عِنْدَهُ مَنْ يَتَوَلَّاهُ اهـ (قَوْلُهُ إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ) فِيهِ تَذْكِيرُ الرُّوحِ وَفِي الْمُخْتَارِ أَنَّهُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ (قَوْلُهُ: تَبِعَهُ الْبَصَرُ) زَادَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: «ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ» اهـ عَمِيرَةُ. أَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَنْ يُغَمِّضُ الْآنَ فَيَقُولُ ذَلِكَ اقْتِدَاءً بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (قَوْلُهُ مَا تَقْوَى بِهِ عَلَى نَوْعِ تَطَلُّعٍ لَهَا) ذَكَرَ حَجّ قَبْلَ هَذَا مَا نَصُّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ تَبِعَهُ الْبَصَرُ أَنَّ الْقُوَّةَ الْبَاصِرَةَ تَذْهَبُ عَقِبَ خُرُوجِ الرُّوحِ فَحِينَئِذٍ تَجْمُدُ الْعَيْنُ وَيَقْبُحُ مَنْظَرُهَا (قَوْلُهُ إنَّ الْعَيْنَ أَوَّلُ شَيْءٍ يَخْرُجُ مِنْهُ) عِبَارَةُ الْإِسْنَوِيِّ: آخِرُ شَيْءٍ إلَخْ، وَفِي الشَّيْخِ عَمِيرَةِ مَا نَصُّهُ: قِيلَ إنَّ الْعَيْنَ آخِرُ شَيْءٍ تُنْزَعُ مِنْهُ الرُّوحُ وَأَوَّلُ شَيْءٍ يُسْرِعُ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَالْوَاجِبُ حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ) اُنْظُرْهُ مَعَ قَوْلِهِ الْمَارِّ فِي غُضُونِ الْمَتْنِ نَدْبًا، وَمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ لَا يَخْلُو عَنْ وَقْفَةٍ وَلَعَلَّ مُرَادَ الشَّارِحِ بِحُسْنِ الظَّنِّ الْوَاجِبِ عَدَمُ الْيَأْسِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إذْ الْيَأْسُ مِنْهَا مِنْ الْكَبَائِرِ (قَوْلُهُ: وَالْحَرَامُ) سَكَتَ عَنْ الْمَنْدُوبِ، وَفِي الدَّمِيرِيِّ: وَالْمَنْدُوبُ حُسْنُ الظَّنِّ بِمَنْ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute