للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم مضى رسول الله ص سَائِرًا، فَجَعَل يَتَخَلَّفُ عَنْهُ الرَّجُلُ [فَيَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَخَلَّفَ فُلانٌ، فَيَقُولُ: دَعُوهُ، فَإِنْ يَكُ فِيهِ خَيْرٌ فَسَيُلْحِقُهُ اللَّهُ بِكُمْ، وَإِنْ يَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمُ اللَّهُ مِنْهُ، حَتَّى قِيلَ:

يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَخَلَّفَ أَبُو ذَرٍّ وَأَبْطَأَ بِهِ بَعِيرُهُ، فَقَالَ: دَعُوهُ، فَإِنْ يَكُ فِيهِ خَيْرٌ فَسَيُلْحِقُهُ اللَّهُ بِكُمْ، وَإِنْ يَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمُ اللَّهُ مِنْهُ] .

قَالَ: وَتَلَوَّمَ أَبُو ذَرٍّ عَلَى بَعِيرِهِ، فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ أَخَذَ مَتَاعَهُ، فَحَمَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ، ثُمَّ خَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ رَسُولِ اللَّهِ مَاشِيًا، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ فِي بَعْضِ مَنَازِلِهِ، فَنَظَرَهُ نَاظِرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، [فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَمْشِي عَلَى الطَّرِيقِ وَحْدَهُ، فقال رسول الله ص: كُنْ أَبَا ذَرٍّ! فَلَمَّا تَأَمَّلَهُ الْقَوْمُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ أَبُو ذَرٍّ! فَقَالَ رسول الله ص: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا ذَرٍّ! يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ] .

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ الأَسْلَمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: لَمَّا نَفَى عُثْمَانُ أَبَا ذَرٍّ نَزَلَ أَبُو ذَرٍّ الرَّبَذَةَ، فَأَصَابَهُ بِهَا قَدَرُهُ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ إِلا امْرَأَتَهُ وَغُلامَهُ، فَأَوْصَاهُمَا أَنْ غَسِّلانِي وَكَفِّنَانِي، ثُمَّ ضَعَانِي عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّ بِكُمْ فَقُولُوا: هَذَا أَبُو ذَرٍّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ فَأَعِينُونَا عَلَى دَفْنِهِ فَلَمَّا مَاتَ فَعَلا ذَلِكَ بِهِ، ثُمَّ وَضَعَاهُ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، فَأَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَرَهْطٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عُمَّارًا، فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلا بِجِنَازَةٍ عَلَى الطَّرِيقِ قَدْ كَادَتِ الإِبِلُ تَطَؤُهَا، وَقَامَ إِلَيْهِمُ الْغُلامُ، فقال: هَذَا أَبُو ذَرٍّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ، فَأَعِينُونَا عَلَى دَفْنِهِ قَالَ: فَاسْتَهَلَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَبْكِي، وَيَقُولُ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ! تَمْشِي وَحْدَكَ، وَتَمُوتُ وَحْدَكَ، وَتُبْعَثُ وَحْدَكَ! ثُمَّ نَزَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَوَارَوْهُ.

ثُمَّ حَدَّثَهُمُ ابْنُ مَسْعُودٍ حَدِيثَهُ وَمَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ فِي مَسِيرِهِ إِلَى تَبُوكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>