وَلا بِنَاءٌ إِلا ذَهَبَ عَلَيْهَا فِي عَرَضِ الرَّمْلِ، وَذَلِكَ حِينَ نَزَلَ النَّاسُ، وَقَبْلَ أَنْ يَحُطُّوا، فَمَا عَلِمْتُ جَمْعًا هَجَمَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْغَمِّ مَا هَجَمَ عَلَيْنَا وَأَوْصَى بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ، وَنَادَى مُنَادِي الْعَلاءِ: اجْتَمِعُوا، فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ، فَقَالَ:
مَا هَذَا الَّذِي ظَهَرَ فِيكُمْ وَغَلَبَ عَلَيْكُمْ؟ فَقَالَ النَّاسُ: وَكَيْفَ نُلامُ وَنَحْنُ إِنْ بَلَغْنَا غَدًا لَمْ تَحْمِ شَمْسُهُ حَتَّى نَصِيرَ حَدِيثًا! فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، لا تُرَاعُوا، أَلَسْتُمْ مُسْلِمِينَ! أَلَسْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ! أَلَسْتُمْ أَنْصَارَ الله! قالوا: بلى، قال:
فابشروا، فو الله لا يَخْذُلُ اللَّهُ مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِكُمْ وَنَادَى الْمُنَادِي بِصَلاةِ الصُّبْحِ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ فَصَلَّى بِنَا، وَمِنَّا الْمُتَيَمِّمُ، وَمِنَّا مَنْ لَمْ يَزَلْ عَلَى طُهُورِهِ، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ جَثَا لِرُكْبَتَيْهِ وَجَثَا النَّاسُ، فَنَصَبَ فِي الدُّعَاءِ وَنَصَبُوا مَعَهُ، فَلَمَعَ لَهُمْ سَرَابُ الشَّمْسِ، فَالْتَفَتَ إِلَى الصَّفِّ، فَقَالَ: رَائِدٌ يَنْظُرُ مَا هَذَا؟ فَفَعَلَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: سَرَابٌ، فَأَقْبَلَ عَلَى الدُّعَاءِ، ثُمَّ لَمَعَ لَهُمْ آخَرُ فَكَذَلِكَ، ثُمَّ لَمَعَ لَهُمْ آخَرُ، فَقَالَ: مَاءٌ، فَقَامَ وَقَامَ النَّاسُ، فَمَشَيْنَا إِلَيْهِ حَتَّى نَزَلْنَا عَلَيْهِ، فَشَرِبْنَا وَاغْتَسَلْنَا، فَمَا تَعَالَى النَّهَارُ حَتَّى أَقْبَلَتِ الإِبِلُ تكرد مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَأَنَاخَتْ إِلَيْنَا، فَقَامَ كُلُّ رَجُلٍ إِلَى ظَهْرِهِ، فَأَخَذَهُ، فَمَا فَقَدْنَا سَلكًا فَأَرْوَيْنَاهَا وَأَسْقَيْنَاهَا العللَ بَعْدَ النَّهْلِ، وَتَرَوَّيْنَا ثُمَّ تَرَوَّحْنَا- وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَفِيقِي- فَلَمَّا غِبْنَا عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ، قَالَ لِي: كَيْفَ علمك بموضع ذلك الماء؟ فقلت: أَنَا مَنْ أَهْدِي الْعَرَبَ بِهَذِهِ الْبِلادِ قَالَ: فَكُنْ مَعِي حَتَّى تُقِيمَنِي عَلَيْهِ، فَكَرَرْتُ بِهِ، فَأَتَيْتُ بِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ بِعَيْنِهِ، فَإِذَا هُوَ لا غَدِيرَ بِهِ، وَلا أَثَرَ لِلْمَاءِ، فَقُلْتُ لَهُ: وَاللَّهُ لَوْلا أَنِّي لا أَرَى الْغَدِيرَ لأَخْبَرْتُكَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَكَانُ، وَمَا رَأَيْتُ بِهَذَا الْمَكَانِ مَاءً نَاقِعًا قَبْلَ الْيَوْمِ، وَإِذَا إِدَاوَةٌ مَمْلُوءَةٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا سَهْمٍ، هَذَا وَاللَّهِ الْمَكَانُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute