للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا رَجَعْتُ وَرَجَعْتُ بِكَ وَمَلأتُ إِدَاوَتِي ثُمَّ وَضَعْتُهَا عَلَى شَفِيرِهِ، فَقُلْتُ:

إِنْ كَانَ مَنًّا مِنَ الْمَنِّ وَكَانَتْ آيَةً عَرَفْتُهَا، وَإِنْ كَانَ غِيَاثًا عَرَفْتُهُ، فَإِذًا مَنٌّ مِنَ المَنِّ، فَحَمَدَ اللَّهَ، ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى نَنْزِلَ هَجَرَ قَالَ: فَأَرْسَلَ الْعَلاءُ إِلَى الْجَارُودِ وَرَجُلٍ آخَرَ أَنِ انْضَمَّا فِي عَبْدِ الْقَيْسِ حَتَّى تَنْزِلا عَلَى الْحَطمِ مِمَّا يَلِيكُمَا، وَخَرَجَ هُوَ فِيمَنْ جَاءَ مَعَهُ وَفِيمَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ، حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ مِمَّا يَلِي هَجَرَ، وَتَجَمَّعَ الْمُشْرِكُونَ كُلُّهُمْ إِلَى الْحطمِ إِلا أَهْلَ دَارِينَ، وَتَجَمَّعَ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ إِلَى الْعَلاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، وَخَنْدَقَ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، وَكَانُوا يَتَرَاوَحُونَ الْقِتَالَ وَيَرْجِعُونَ إِلَى خَنْدَقِهِمْ، فَكَانُوا كَذَلِكَ شَهْرًا، فَبَيْنَا النَّاسُ لَيْلَةً إِذْ سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ فِي عَسْكَرِ الْمُشْرِكِينَ ضَوْضَاءً شَدِيدَةً، كَأَنَّهَا ضَوْضَاءُ هَزِيمَةٍ أَوْ قِتَالٍ، فَقَالَ الْعَلاءُ: مَنْ يأتينا بخبر القوم؟ فقال عبد الله ابن حذفٍ: أَنَا آتِيكُمْ بِخَبَرِ الْقَوْمِ- وَكَانَتْ أُمُّهُ عِجْلِيَّةً- فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْ خَنْدَقِهِمْ أَخَذُوهُ، فَقَالُوا لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَانْتَسَبَ لَهُمْ، وَجَعَلَ يُنَادِي: يَا أَبْجَرَاهُ! فَجَاءَ أَبْجَرُ بْنُ بُجَيْرٍ، فَعَرَفَهُ فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟

فَقَالَ: لا أَضِيعَنَّ اللَّيْلَةَ بَيْنَ اللَّهَازِمِ! عَلامَ أُقْتَلُ وَحَوْلِي عَسَاكِرُ مِنْ عِجْلٍ وَتَيْمِ اللاتِ وَقَيْسٍ وَعَنْزَةَ! أَيَتَلاعَبُ بِي الحطمُ وَنِزَاعُ الْقَبَائِلِ وَأَنْتُمْ شُهُودٌ! فَتَخَلَّصَهُ، وَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَظُنُّكَ بِئْسَ ابْنُ الأُخْتِ لأَخْوَالِكَ اللَّيْلَةَ! فَقَالَ: دَعْنِي مِنْ هَذَا وَأَطْعِمْنِي، فَإِنِّي قَدْ مِتُّ جُوعًا فَقَرَّبَ لَهُ طَعَامًا، فَأَكَلَ ثُمَّ قَالَ: زَوِّدْنِي وَاحْمِلْنِي وَجَوِّزْنِي انْطَلِقْ إِلَى طَيَّتِي.

وَيَقُولُ ذَلِكَ لِرَجُلٍ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الشَّرَابُ، فَفَعَلَ وَحَمَلَهُ عَلَى بَعِيرٍ، وَزَوَّدَهُ وَجَوَّزَهُ، وَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حذفٍ حَتَّى دَخَلَ عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْقَوْمَ سُكَارَى، فَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ حَتَّى اقْتَحَمُوا عَلَيْهِمْ عَسْكَرَهُمْ، فَوَضَعُوا السُّيُوفَ فِيهِمْ حَيْثُ شَاءُوا، وَاقْتَحَمُوا الْخَنْدَقَ هُرَّابا، فَمُتَرَدٌّ، وَنَاجٍ وَدَهِشٌ، وَمَقْتُولٌ أَوْ مَأْسُورٌ، وَاسْتَوْلَى الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَا فِي الْعَسْكَرِ، لم يفلت

<<  <  ج: ص:  >  >>