للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَجُلٌ إِلا بِمَا عَلَيْهِ، فَأَمَّا أَبْجَرُ فَأَفْلَتَ، وَأَمَّا الْحطمُ فَإِنَّهُ بَعِلَ وَدَهِشَ، وَطَارَ فُؤَادُهُ، فَقَامَ إِلَى فَرَسِهِ- وَالْمُسْلِمُونَ خِلالُهُمْ يَجُوسُونَهُمْ- لِيَرْكَبَهُ، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ انْقَطَعَ بِهِ، فَمَرَّ بِهِ عَفِيفُ بْنُ الْمُنْذِرِ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، وَالحطمُ يَسْتَغِيثُ وَيَقُولُ: أَلا رَجُلٌ مِنْ بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ يَعْقِلُنِي! فَرَفَعَ صَوْتَهُ، فَعَرَفَ صَوْتَهُ، فَقَالَ: أَبُو ضُبَيْعَةَ! قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَعْطِنِي رِجْلَكَ أُعْقِلَكَ، فَأَعْطَاهُ رِجْلَهُ يَعْقِلَهُ، فَنَفَحَهَا فَأَطَنَّهَا مِنَ الْفَخِذِ، وتَرَكَهُ، فَقَالَ: أَجْهِزْ عَلَيَّ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَلا تَمُوتَ حَتَّى أمضكَ.

- وَكَانَ مَعَ عَفِيفٍ عِدَّةٌ مِنْ وَلَدِ أَبِيهِ، فَأُصِيبُوا ليلتئذ- وَجَعَلَ الحطمُ لا يَمُرُّ بِهِ فِي اللَّيْلِ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلا قَالَ: هَلْ لَكَ فِي الْحطمِ أَنْ تَقْتُلَهُ؟ وَيَقُولُ:

ذَاكَ لِمَنْ لا يَعْرِفُهُ، حَتَّى مَرَّ بِهِ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَمَالَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ، فَلَمَّا رَأَى فخذه نادره، قال: وا سوأتاه! لَوْ عَلِمْتُ الَّذِي بِهِ لَمْ أُحَرِّكْهُ، وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ مَا أَحْرَزُوا الْخَنْدَقَ عَلَى الْقَوْمِ يَطْلُبُونَهُمْ، فاتَّبَعُوهُمْ، فَلَحِقَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ أَبْجَرَ- وَكَانَ فَرَسُ أَبْجَرَ أَقْوَى مِنْ فَرَسِ قَيْسٍ- فَلَمَّا خَشِيَ أَنْ يَفُوتَهُ طَعَنَهُ فِي الْعُرْقُوبِ فَقَطَعَ الْعَصَبَ، وَسَلمَ النَّسَا، فَكَانَتْ رَادَّةً، وَقَالَ عَفِيفُ بْنُ الْمُنْذِرِ:

فَإِنْ يَرْقَإِ الْعُرْقُوبُ لا يَرْقَإِ النَّسَا ... وَمَا كُلُّ مَنْ يَهْوَى بِذَلِكَ عَالِمُ

أَلَمْ تَرَ أَنَّا قَدْ فَلَلْنَا حُمَاتَهُمْ ... بِأَسْرَةِ عَمْرٍو وَالرَّبَابُ الأَكَارِمُ

وَأَسَرَ عَفِيفُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْغَرُورَ بْنَ سُوَيْدٍ، فَكَلَّمَتْهُ الرَّبَابُ فِيهِ، وَكَانَ أَبُوهُ ابْنُ أُخْتِ التَّيْمِ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يُجِيرَهُ، فَقَالَ لِلْعَلاءِ: إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ هَذَا، قَالَ: وَمَنْ هَذَا؟ قَالَ: الْغَرُورُ، قَالَ: أَنْتَ غَرَرْتَ هَؤُلاءِ، قَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنِّي لَسْتُ بِالْغَرُورِ، وَلَكِنِّي الْمَغْرُورُ، قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>