فأقاموا بعد ذلك يسيرا ثم إن بني عمرو بْن معاوية خصوصا خرجوا إلى المحاجر، إلى أحماء حموها، فنزل جمد محجرا، ومخوص محجرا، ومشرح محجرا، وأبضعة محجرا، وأختهم العمردة محجرا- وكانت بنو عمرو ابن معاوية على هؤلاء الرؤساء- ونزلت بنو الحارث بْن معاوية محاجرها، فنزل الأشعث بْن قيس محجرا، والسمط بْن الأسود محجرا، وطابقت معاوية كلها على منع الصدقة، وأجمعوا على الردة إلا ما كان من شرحبيل بْن السمط وابنه، فإنهما قاما في بني معاوية، فقالا: والله إن هذا لقبيح بأقوام أحرار التنقل، إن الكرام ليكونون على الشبهة فيتكرمون أن يتنقلوا منها إلى أوضح منها مخافة العار، فكيف بالرجوع عن الجميل، وعن الحق إلى الباطل والقبيح! اللهم انا لا نمالى قومنا على هذا، وإنا لنادمون على مجامعتهم إلى يومنا هذا- يعني يوم البكرة ويوم النفره- وخرج شرحبيل بْن السمط وابنه السمط، حتى أتيا زياد بْن لبيد، فانضما إليه، وخرج ابن صالح وامرؤ القيس بْن عابس، حتى أتيا زيادا، فقالا له: بيت القوم، فإن أقواما من السكاسك قد انضموا إليهم، وقد تسرع إليهم قوم من السكون وشذاذ من حضرموت، لعلنا نوقع بهم وقعة تورث بيننا عداوة، وتفرق بيننا، وإن أبيت خشينا أن يرفضَّ الناس عنا إليهم، والقوم غارون لمكان من أتاهم، راجون لمن بقي فقال: شأنكم فجمعوا جمعهم، فطرقوهم في محاجرهم، فوجدوهم حول نيرانهم جلوسا، فعرفوا من يريدون، فأكبوا على بني عمرو بْن معاوية، وهم عدد القوم وشوكتهم، من خمسة أوجه في خمس فرق، فأصابوا مشرحا ومخوصا وجمدا وأبضعة وأختهم العمردة، أدركتهم اللعنة، وقتلوا فأكثروا، وهرب من أطاق الهرب، ووهنت بنو عمرو بْن معاوية، فلم يأتوا بخير بعدها، وانكفأ زياد بالسبي والأموال، وأخذوا طريقا