وتصايح أهل الرياض وتنادوا، وغضبت بنو معاوية لحارثة، وأظهروا أمرهم، وغضبت السكون لزياد، وغضبت له حضرموت، وقاموا جميعا دونه وتوافى عسكران عظيمان من هؤلاء وهؤلاء، لا تحدث بنو معاوية لمكان أسرائهم شيئا، ولا يجد أصحاب زياد على بني معاوية سبيلا يتعلقون به عليهم، فأرسل إليهم زياد: إما أن تضعوا السلاح، وإما أن تؤذنوا بحرب، فقالوا: لا نضع السلاح أبدا حتى ترسلوا أصحابنا، فقال زياد: لا يرسلون أبدا حتى ترفضوا وأنتم صغرة قمأة يا أخابث الناس، ألستم سكان حضرموت وجيران السكون! فما عسيتم أن تكونوا وتصنعوا في دار حضرموت، وفي جنوب مواليكم! وقالت له السكون: ناهد القوم، فإنه لا يفطمهم إلا ذلك، فنهد إليهم ليلا، فقتل منهم، وطاروا عباديد، وتمثل زياد حين أصبح في عسكرهم:
وكنت امرأ لا أبعث الحرب ظالما ... فلما أبوا سامحت في حرب حاطب
ولما هرب القوم خلى عن النفر الثلاثة، ورجع زياد إلى منزله على الظفر ولما رجع الأسراء إلى أصحابهم ذمروهم فتذامروا، وقالوا:
لا تصلح البلدة علينا وعلى هؤلاء حتى تخلو لأحد الفريقين فأجمعوا وعسكروا جميعا، ونادوا بمنع الصدقة، فتركهم زياد لم يخرج إليهم، وتركوا المسير إليه وأرسل إليهم الحصين بْن نمير، فما زال يسفر فيما بينهم وبين زياد وحضرموت والسكون حتى سكن بعضهم عن بعض، وهذه النفرة الثانية، وقال السكوني في ذلك:
لعمري وما عمرى بعرضه جانب ... ليجتلبن منها المرار بنو عمرو
كذبتم وبيت اللَّه لا تمنعونها ... زيادا، وقد جئنا زيادا على قدر