للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَرِفْتَ وَاللَّهِ يَا عَمْرُو! ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَهْلِ الْحِيرَةِ فَقَالَ: أَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّكُمْ خَبَثَةٌ خَدَعَةٌ مَكَرَةٌ! فَمَا لَكُمْ تَتَنَاوَلُونَ حَوَائِجَكُمْ بِخَرِفٍ لا يُدْرَى مِنْ أَيْنَ جَاءَ! فَتَجَاهَلَ لَهُ عَمْرٌو، وَأَحَبَّ أَنْ يُرِيَهُ مِنْ نَفْسِهِ مَا يَعْرِفُ بِهِ عَقْلُهُ، وَيَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ مَا حَدَّثَهُ بِهِ، فَقَالَ: وَحَقِّكَ أَيُّهَا الأَمِيرُ، إِنِّي لأَعْرِفُ مِنْ أَيْنَ جِئْتُ؟ قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ قَالَ: أَقْرَبُ أَمْ أَبْعَدُ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، قَالَ: مِنْ بَطْنِ أُمِّي، قَالَ: فَأَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أَمَامِي، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ:

الآخِرَةَ قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ أَقْصَى أَثَرِكَ؟ قَالَ: مِنْ صُلْبِ أَبِي، قَالَ: فَفِيمَ أَنْتَ؟

قَالَ: فِي ثِيَابِي، قَالَ: أَتَعْقِلُ؟ قَالَ: إِي وَاللَّهِ وأقيدُ قَالَ: فَوَجَدَهُ حِينَ فره عضا، وَكَانَ أَهْلُ قَرْيَتِهِ أَعْلَمَ بِهِ- فَقَالَ خَالِدٌ: قَتَلَتْ أَرْضٌ جَاهِلَهَا، وَقَتَلَ أَرْضًا عَالِمُهَا، وَالْقَوْمُ أَعْلَمُ بِمَا فِيهِمْ فَقَالَ عَمْرٌو: أَيُّهَا الأَمِيرُ النَّمْلَةُ أَعْلَمُ بِمَا فِي بَيْتِهَا مِنَ الْجَمَلِ بِمَا فِي بَيْتِ النَّمْلَةِ وَشَارَكَهُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّفَرِ، عَنْ ذِي الْجَوْشَنِ الضَّبَابِيِّ، وَأَمَّا الزُّهْرِيُّ فَإِنَّهُ حَدَّثَنَا بِهِ، فَقَالَ: شَارَكَهُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رَجُلٌ مِنَ الضَّبَابِ.

قَالُوا: وَكَانَ مَعَ ابْنِ بُقَيْلَةَ مُنْصِفٌ لَهُ فَعَلَّقَ كِيسًا فِي حَقْوِهِ، فَتَنَاوَلَ خَالِدٌ الْكِيسَ، وَنَثَرَ مَا فِيهِ فِي رَاحَتِهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَمْرُو؟ قَالَ:

هَذَا وَأَمَانَةِ اللَّهِ سُمُّ سَاعَةٍ، قَالَ: لم تَحْتَقِبِ السُّمَّ؟ قَالَ: خَشِيتُ أَنْ تَكُونُوا عَلَى غَيْرِ مَا رَأَيْتُ، وَقَدْ أَتَيْتُ عَلَى أَجَلِي، وَالْمَوْتُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَكْرُوهٍ أُدْخِلُهُ عَلَى قَوْمِي وَأَهْلِ قَرْيَتِي فَقَالَ خَالِدٌ: إِنَّهَا لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَأْتِيَ عَلَى أَجَلِهَا، وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ خَيْرِ الأَسْمَاءِ، رَبِّ الأَرْضِ وَرَبِّ السَّمَاءِ، الَّذِي لَيْسَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ دَاءٌ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَأَهْوَوْا إِلَيْهِ لِيَمْنَعُوهُ مِنْهُ، وَبَادَرَهُمْ فَابْتَلَعَهُ، فَقَالَ عَمْرٌو: وَاللَّهِ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ لَتَمْلُكُنَّ مَا أَرَدْتُمْ مَا دَامَ مِنْكِم أَحَدٌ أَيُّهَا الْقرن وَأَقْبَلَ عَلَى أَهْلِ الْحِيرَةِ، فَقَالَ: لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ أَمْرًا أَوْضَحَ إِقْبَالا!

<<  <  ج: ص:  >  >>