فَإِنَّكُمْ أَعْوَانُ اللَّهِ، وَاللَّهُ نَاصِرٌ مَنْ نَصَرَهُ، وَخَاذِلٌ مَنْ كَفَرَهُ، وَلَنْ يُؤْتَى مِثْلُكُمْ مِنْ قِلَّةٍ، وَإِنَّمَا يُؤْتَى الْعَشَرَةُ آلافٍ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْعَشَرَةِ آلافِ إِذَا أَتَوْا مِنْ تِلْقَاءِ الذَّنُوبِ، فَاحْتَرِسُوا مِنَ الذَّنُوبِ، وَاجْتَمِعُوا بِالْيَرْمُوكِ مُتَسَانِدِينَ وَلْيَصِلْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِأَصْحَابِهِ.
وَبَلَغَ ذَلِكَ هِرَقْلَ، فَكَتَبَ إِلَى بَطَارِقَتِهِ: أَنِ اجْتَمِعُوا لَهُمْ، وَانْزِلُوا بِالرُّومِ مَنْزِلا وَاسَعَ الْعَطَنِ، وَاسِعَ الْمِطْرَدِ، ضَيِّقَ الْمَهْرَبِ، وَعَلَى النَّاسِ التذارقُ وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ جرجةُ، وَعَلَى مُجَنِّبَتَيْهِ باهانُ وَالدراقصُ، وَعَلَى الْحَرْبِ الفَيْقَارُ، وَأَبْشِرُوا فَإِنَّ بَاهَانَ فِي الأَثَرِ مَدَدٌ لَكُمْ فَفَعَلُوا فَنَزَلُوا الْوَاقُوصَةَ وَهِيَ عَلَى ضِفَّةِ الْيَرْمُوكِ، وَصَارَ الْوَادِي خَنْدَقًا لَهُمْ، وَهُوَ لَهَبٌ لا يُدْرَكُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بَاهَانُ وَأَصْحَابُهُ أَنْ تَسْتَفِيقَ الرُّومُ وَيَأْنَسُوا بِالْمُسْلِمِينَ، وَتَرْجِعَ إِلَيْهِمْ أَفْئِدَتُهُمْ عَنْ طِيرَتِهَا.
وَانْتَقَلَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ عَسْكَرِهِمُ الَّذِي اجْتَمَعُوا به، فنزل عَلَيْهِمْ بِحِذَائِهِمْ عَلَى طَرِيقِهِمْ، وَلَيْسَ لِلرُّومِ طَرِيقٌ إِلا عَلَيْهِمْ فَقَالَ عَمْرٌو: أَيُّهَا النَّاسُ، أَبْشِرُوا، حُصِرَتْ وَاللَّهِ الرُّومُ، وَقَلَّمَا جَاءَ مَحْصُورٌ بِخَيْرٍ! فَأَقَامُوا بِإِزَائِهِمْ وَعَلَى طَرِيقِهِمْ، وَمَخْرَجِهِمْ صَفَرٍ مِنْ سَنَةِ ثَلاثَ عَشْرَةَ وَشَهْرَيِ رَبِيعٍ، لا يَقْدِرُونَ مِنَ الرُّومِ عَلَى شَيْءٍ، وَلا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِمُ، اللَّهَبَ- وَهُوَ الْوَاقُوصَةُ- مِنْ وَرَائِهِمْ، وَالْخَنْدَقُ مِنْ أَمَامِهِمْ، وَلا يَخْرُجُونَ خَرْجةً إِلا أديل الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ، حَتَّى إِذَا سَلَخُوا شَهْرَ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، وَقَدِ اسْتَمَدُّوا أَبَا بَكْرٍ وَأَعْلَمُوهُ الشَّأْنَ فِي صَفَرٍ، فَكَتَبَ إِلَى خَالِدٍ لِيَلْحَقَ بِهِمْ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْلُفَ عَلَى الْعِرَاقِ الْمُثَنَّى، فَوَافَاهُمْ فِي رَبِيعٍ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ وَعَمْرٍو وَالْمُهَلَّبِ، قَالُوا: وَلَمَّا نَزَلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَرْمُوكَ، وَاسْتَمَدُّوا أَبَا بَكْرٍ، قَالَ: خَالِدٌ لَهَا فَبَعَثَ إِلَيْهِ وَهُوَ بِالْعِرَاقِ، وَعَزَمَ عَلَيْهِ وَاسْتَحَثَّهُ فِي السَّيْرِ، فَنَفَذَ خَالِدٌ لِذَلِكَ، فَطَلَعَ عَلَيْهِمْ خَالِدٌ، وَطَلَعَ بَاهَانُ عَلَى الرُّومِ، وَقَدْ قَدَّمَ قُدَّامَهُ الشَّمَامِسَةَ وَالرُّهْبَانَ وَالْقِسِّيسِينَ، يَغْرُونَهُمْ وَيُحَضِّضُونَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ، وَوَافَقَ قُدُومُ خَالِدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute