وَأُصِيبَ مِنْهُمْ سِتَّةُ آلافٍ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَلَمْ يَبْقَ وَلَمْ يَنْتَظِرْ إِلا الْهَزِيمَةِ، فَلَمَّا خُبِطَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَقَامَ عَلَيْهِ الْفِيلُ جَالَ الْمُسْلِمُونَ جَوْلَةً، ثُمَّ تَمُّوا عَلَيْهَا، وَرَكِبَهُمْ أَهْلُ فَارِسَ، فَبَادَرَ رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ إِلَى الْجِسْرِ فَقَطَعَهُ، فَانْتَهَى النَّاسُ إِلَيْهِ وَالسُّيُوفُ تَأْخُذُهُمْ مِنْ خَلْفِهِمْ، فَتَهَافَتُوا فِي الْفُرَاتُ، فَأَصَابُوا يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَرْبَعَةَ آلافِ، مِنْ بَيْن غَرِيقٍ وَقَتِيلٍ، وَحَمَى الْمُثَنَّى النَّاسَ وَعَاصِمٌ وَالْكَلَجُ الضَّبِّيُّ وَمَذْعُورٌ، حَتَّى عَقَدُوا الْجِسْرَ وَعَبَرُوهُمْ ثُمَّ عَبَرُوا فِي آثَارِهِمْ، فَأَقَامُوا بِالْمَرْوَحَةِ وَالْمُثَنَّى جَرِيحٌ، والْكَلَجُ وَمَذْعُورٌ وَعَاصِمٌ- وكانوا حماه لناس- مَعَ الْمُثَنَّى، وَهَرَبَ مِنَ النَّاسِ بَشَرٌ كَثِيرٌ عَلَى وُجُوهِهِمْ، وَافْتَضَحُوا فِي أَنْفُسِهِمْ، وَاسْتَحْيُوا مِمَّا نَزَلَ بِهِمْ، وَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ عَنْ بَعْضِ مَنْ أَوَى إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ: عِبَادَ اللَّهِ! اللَّهُمَّ إِنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ فِي حِلٍّ مِنِّي، أَنَا فِئَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ، يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عُبَيْدٍ! لَوْ كَانَ عَبَرَ فَاعْتَصَمَ بِالْخِيفِ، أَوْ تَحَيَّزَ إِلَيْنَا وَلَمْ يَسْتَقْتِلْ لَكُنَّا لَهُ فِئَةٌ! وَبَيْنَا أَهْلُ فَارِسَ يُحَاوِلُونَ الْعُبُورَ أَتَاهُمُ الْخَبَرُ أَنَّ النَّاسَ بِالْمَدَائِنِ قَدْ ثَارُوا بِرُسْتُمَ، وَنَقَضُوا الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فَصَارُوا فِرْقَتَيْنِ: الْفهلُوجُ عَلَى رُسْتُمَ، وَأَهْلُ فَارِسَ عَلَى الْفيرزانِ، وَكَانَ بَيْنَ وَقْعَةِ الْيَرْمُوكِ وَالْجِسْرِ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً، وَكَانَ الَّذِي جَاءَ بِالْخَبَرِ عَنِ الْيَرْمُوكِ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحِمْيَرِيُّ، وَالَّذِي جَاءَ بِالْخَبَرِ عَنِ الْجِسْرِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ- وَلَيْسَ بِالَّذِي رَأَى الرُّؤْيَا- فَانْتَهَى إِلَى عُمَرَ وَعُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَادَى عُمَرُ: الْخَبَرُ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ! قَالَ:
أَتَاكَ الْخَبَرُ الْيَقِينُ، ثُمَّ صَعِدَ إِلَيْهِ الْمِنْبَرَ فَأَسَرَّ ذَلِكَ إِلَيْهِ.
وَكَانَتِ الْيَرْمُوكُ فِي أَيَّامٍ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، وَالْجِسْرِ فِي شَعْبَانَ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، عن شعيب، عن سيف، عن المجالد وسعيد ابن الْمَرْزُبَانِ، قَالا: وَاسْتَعْمَلَ رُسْتُمُ عَلَى حَرْبِ أَبِي عُبَيْدٍ بهمنَ جَاذُوَيْهِ، وَهُوَ ذُو الْحَاجِبِ، وَرَدَّ مَعَهُ الْجَالِنُوسَ وَمَعَهُ الْفِيَلَةُ، فِيهَا فِيلٌ أَبْيَضُ عَلَيْهِ النخلُ، وَأَقْبَلَ فِي الدهم، وَقَدِ اسْتَقْبَلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَابِلَ، فَلَمَّا بَلَغَهُ انْحَازَ حَتَّى جَعَلَ الْفُرَاتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فعسكر بالمروحة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute