للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ إِنَّ أَبَا عُبَيْدٍ نَدِمَ حِينَ نَزَلُوا بِهِ وَقَالُوا: إِمَّا أَنْ تَعْبُرُوا إِلَيْنَا وَإِمَّا أَنْ نَعْبُرَ، فَحَلَفَ لَيَقْطَعَنَّ الْفُرَاتَ إِلَيْهِمْ، وَلَيَمْحَصَنَّ مَا صَنَعَ، فَنَاشَدَهُ سُلَيْطُ بْنُ قَيْسٍ وَوُجُوهُ النَّاسِ، وَقَالُوا: إِنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَلْقَ مِثْلَ جُنُودِ فَارِسَ مُذْ كَانُوا، وَإِنَّهُمْ قَدْ حَفَلُوا لَنَا وَاسْتَقْبَلُونَا مِنَ الزُّهَاءِ وَالْعُدَّةِ بِمَا لَمْ يَلْقَنَا بِهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَقَدْ نَزَلْتَ مَنْزِلا لَنَا فِيهِ مَجَالٌ وَمَلْجَأٌ وَمَرْجِعٌ، مِنْ فَرَّةٍ إِلَى كَرَّةٍ فَقَالَ:

لا أَفْعَلُ، جَبُنْتَ وَاللَّهِ! وَكَانَ الرَّسُولُ فِيمَا بَيْنَ ذِي الْحَاجِبِ وَأَبِي عبيد مردان شاه الْخصي، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ عَيَّرُوهُمْ، فَازْدَادَ أَبُو عُبَيْدٍ مَحَكًّا، وَرَدَّ عَلَى أَصْحَابِهِ الرَّأْيَ، وَجَبُنَ سُلَيْطًا، فَقَالَ: سُلَيْطٌ:

أَنَا وَاللَّهِ أَجْرَأُ مِنْكَ نَفْسًا، وَقَدْ أَشَرْنَا عَلَيْكَ الرَّأْيَ فَسَتَعْلَمُ! كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، عَنْ شعيب، عن سيف، عن النضر بن السري، عَنِ الأَغَرِّ الْعِجْلِيِّ، قَالَ: أَقْبَل ذُو الْحَاجِبِ حَتَّى وَقَفَ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ بِقُسِّ النَّاطِفِ، وَأَبُو عُبَيْدٍ مُعَسْكِرٌ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ بِالْمَرْوَحَةِ فَقَالَ: إِمَّا أَنْ تَعْبُرُوا إِلَيْنَا وَإِمَّا أَنْ نَعْبُرَ إِلَيْكُمْ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: بَلْ نَعْبُرُ إِلَيْكُمْ فَعَقَدَ ابْنُ صَلُوبَا الْجِسْرَ لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، وَقَبْلَ ذَلِكَ مَا قَدْ رَأَتْ دَوْمَةُ امْرَأَةُ أَبِي عُبَيْدٍ رُؤْيَا وَهِيَ بِالْمَرْوَحَةِ، أَنَّ رَجُلا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ بِإِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ، فَشَرِبَ أَبُو عُبَيْدٍ وَجَبْرٌ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَهْلِهِ، فَأَخْبَرَتْ بِهَا أَبَا عُبَيْدٍ، فَقَالَ: هَذِهِ الشِّهَادَةُ، وَعَهِدَ أَبُو عُبَيْدٍ إِلَى النَّاسِ، فَقَالَ: إِنْ قُتِلْتُ فَعَلَى النَّاسِ جَبْرٌ، فَإِنْ قُتِلَ فَعَلَيْكُمْ فُلانٌ، حَتَّى أَمَّرَ الَّذِينَ شَرِبُوا مِنَ الإِنَاءِ عَلَى الْوَلاءِ مِنْ كَلامِهِ ثُمَّ قَالَ: إِنْ قُتِلَ أَبُو الْقَاسِمِ فَعَلَيْكُمُ الْمُثَنَّى، ثُمَّ نَهَدَ بِالنَّاسِ فَعَبَرَ وَعَبَرُوا إِلَيْهِمْ، وَعَضِلَتِ الأَرْضُ بِأَهْلِهَا، وَأَلْحَمَ النَّاسُ الْحَرْبَ.

فَلَمَّا نَظَرَتِ الْخُيُولُ إِلَى الْفِيَلَةِ عَلَيْهَا النَّخلُ، وَالْخَيْلُ عَلَيْهَا التَّجَافِيفُ وَالْفِرْسَانُ عَلَيْهِمُ الشُّعُرُ رَأَتْ شَيْئًا مُنْكَرًا لَمْ تَكُنْ تَرَى مِثْلَهُ، فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا حَمَلُوا عَلَيْهِمْ لَمْ تَقَدَّمْ خُيُولُهُمْ، وَإِذَا حَمَلُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْفِيَلَةِ وَالْجَلاجِلِ فَرَّقَتْ بَيْنَ كَرَادِيسِهِمْ، لا تَقُومُ لَهَا الْخَيْلُ إِلا عَلَى نِفَارٍ وَخَزَقَهُمُ الْفُرْسُ

<<  <  ج: ص:  >  >>