والله إن كنا لنأتي البويب، فنرى فيما بين موضع السكون وبني سليم عظاما بيضا تلولا تلوح من هامهم وأوصالهم، يعتبر بها قال: وحدثني بعض من شهدها أنهم كانوا يحزرونها مائة ألف، وما عفي عليها حتى دفنها أدفان البيوت.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا:
وقف المثنى عند ارتفاع الغبار، حتى أسفر الغبار، وقد فني قلب المشركين، والمجنبات قد هز بعضها بعضا، فلما رأوه وقد أزال القلب، وأفنى أهله، قويت المجنبات- مجنبات المسلمين- على المشركين، وجعلوا يردون الأعاجم على أدبارهم، وجعل المثنى والمسلمون في القلب يدعون لهم بالنصر، ويرسل عليهم من يذمرهم، ويقول: إن المثنى يقول: عاداتكم في أمثالهم، انصروا اللَّه ينصركم، حتى هزموا القوم، فسابقهم المثنى إلى الجسر فسبقهم وأخذ الأعاجم، فافترقوا بشاطئ الفرات مصعدين ومصوبين، واعتورتهم خيول المسلمين حتى قتلوهم، ثم جعلوهم جثا، فما كانت بين العرب والعجم وقعة كانت أبقى رمة منها ولما ارتث مسعود بْن حارثة يومئذ- وكان صرع قبل الهزيمة، فتضعضع من معه، فرأى ذلك وهو دنف- قال: يا معشر بكر بْن وائل، ارفعوا رايتكم، رفعكم اللَّه! لا يهولنكم مصرعي وقاتل أنس بْن هلال النمري يومئذ حتى ارتث، ارتثه للمثنى، وضمه وضم مسعودا إليه وقاتل قرط بْن جماح العبدي يومئذ حتى دق قنا، وقطع أسيافا وقتل شهربراز من دهاقين فارس وصاحب مجردة مهران.
قال: ولما فرغوا جلس المثنى للناس من بعد الفراغ يحدثهم ويحدثونه، وكلما جاء رجل فتحدث قال له: أخبرني عنك، فقال له قرط بْن جماح: قتلت رجلا فوجدت منه رائحة المسك، فقلت: مهران، ورجوت أن يكون إياه، فإذا هو صاحب الخيل شهر براز، فو الله ما رأيته إذ لم يكن مهران شيئا.
فقال المثنى: قد قاتلت العرب والعجم في الجاهلية والإسلام، والله لمائة من العجم في الجاهلية كانوا أشد علي من ألف من العرب، ولمائة اليوم من العرب