للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا تقتدوا بي أيها الناس، فإنها كانت مني زلة لا ينبغي إحراج أحد إلا من لا يقوى على امتناع ومات أناس من الجرحى من أعلام المسلمين، منهم خالد ابن هلال ومسعود بْن حارثة، فصلى عليهم المثنى، وقدمهم على الأسنان والقرآن، وقال: والله إنه ليهون علي وجدي أن شهدوا البويب، أقدموا وصبروا، ولم يجزعوا ولم ينكلوا، وإن كان في الشهادة كفارة لتجوز الذنوب كَتَبَ إِلَيَّ السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد، قالوا: وقد كان المثنى وعصمة وجرير أصابوا في أيام البويب على الظهر نزل مهران غنما ودقيقا وبقرا، فبعثوا بها إلى عيالات من قدم من المدينة وقد خلفوهن بالقوادس، وإلى عيالات أهل الأيام قبلهم، وهم بالحيرة.

وكان دليل الذين ذهبوا بنصيب العيالات الذين بالقوادس عمرو بْن عبد المسيح بْن بقيلة، فلما رفعوا للنسوة فرأين الخيل، تصايحن وحسبنها غارة، فقمن دون الصبيان بالحجارة والعمد، فقال عمرو: هكذا ينبغي لنساء هذا الجيش! وبشروهن بالفتح، وقالوا: هذا أوله، وعلى الخيل التي أتتهم بالنزل النسير، وأقام في خيله حامية لهم، ورجع عمرو بْن عبد المسيح فبات بالحيرة وقال المثنى يومئذ: من يتبع الناس حتى ينتهي إلى السيب؟

فقام جرير بْن عبد اللَّه في قومه، فقال: يا معشر بجيلة، إنكم وجميع من شهد هذا اليوم في السابقة والفضيلة والبلاء سواء، وليس لاخذ منهم في هذا الخمس غدا من النفل مثل الذي لكم منه، ولكم ربع خمسه نفلا من أمير المؤمنين، فلا يكونن أحد أسرع إلى هذا العدو ولا أشد عليه منكم للذي لكم منه، ونية إلى ما ترجون، فإنما تنتظرون إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ: الشهادة والجنة أو الغنيمة والجنة.

ومال المثنى على الذين أرادوا أن يستقتلوا من منهزمة يوم الجسر، ثم قال:

أين المستبسل بالأمس وأصحابه! انتدبوا في آثار هؤلاء القوم إلى السيب، وابلغوا من عدوكم ما تغيظونهم به، فهو خير لكم وأعظم أجرا، واستغفروا اللَّه إن اللَّه غفور رحيم

<<  <  ج: ص:  >  >>