للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ بِإِسْنَادِهِمَا وَزِيَادٍ مَعَهُمَا، قَالُوا: فَتَكَلَّمَ الْقَوْمُ فَقَالُوا: أَمَّا مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ سُوءِ حَالِنَا فِيمَا مَضَى، وَانْتِشَارِ أَمْرِنَا، فَلَمَّا تبلغ كنهه! يَمُوتُ الْمَيِّتُ مِنَّا إِلَى النَّارِ، وَيَبْقَى الْبَاقِي مِنَّا فِي بُؤْسٍ، فَبَيْنَا نَحْنُ فِي أَسْوَإِ ذَلِكَ، بَعَثَ اللَّهُ فِينَا رَسُولا مِنْ أَنْفُسِنَا إِلَى الإِنْسِ وَالْجِنِّ، رَحْمَةً رَحِمَ بِهَا مَنْ أَرَادَ رَحْمَتَهُ، وَنَقْمَةً يَنْتَقِمُ بِهَا مِمَّنْ رَدَّ كَرَامَتَهُ، فَبَدَأَ بِنَا قَبِيلَةً قَبِيلَةً، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَشَدَّ عَلَيْهِ، وَلا أَشَدَّ إِنْكَارًا لِمَا جَاءَ بِهِ، وَلا أَجْهَدَ عَلَى قَتْلِهِ وَرَدَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، حَتَّى طَابَقْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ كُلُّنَا، فَنَصَبْنَا لَهُ جَمِيعًا، وَهُوَ وَحْدَهُ فَرْدٌ لَيْسَ مَعَهُ إِلا اللَّهُ تَعَالَى، فَأُعْطِيَ الظَّفْرَ عَلَيْنَا، فَدَخَلَ بَعْضُنَا طَوْعًا، وَبَعْضُنَا كَرْهًا، ثُمَّ عَرَفْنَا جَمِيعًا الْحَقَّ وَالصِّدْقَ لَمَّا أَتَانَا بِهِ مِنَ الآيَاتِ الْمُعْجِزَةِ، وَكَانَ مِمَّا أَتَانَا بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا جِهَادُ الأَدْنَى فَالأَدْنَى، فَسِرْنَا بِذَلِكَ فِيمَا بَيْنَنَا، نَرَى أَنَّ الَّذِي قَالَ لَنَا وَوَعَدَنَا لا يُخْرَمُ عَنْهُ وَلا يُنْقَضُ، حَتَّى اجْتَمَعَتِ الْعَرَبُ عَلَى هَذَا، وَكَانُوا مِنَ اخْتِلافِ الرَّأْيِ فِيمَا لا يُطِيقُ الْخَلائِقُ تَأْلِيفَهُمْ ثُمَّ أَتَيْنَاكُمْ بِأَمْرِ رَبِّنَا، نُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ، وَنَنْفُذُ لأَمْرِهِ، وَنَنْتَجِزُ مَوْعُودَهُ، وَنَدْعُوكُمْ إِلَى الإِسْلامِ وَحُكْمِهِ، فَإِنْ أَجَبْتُمُونَا تَرَكْنَاكُمْ وَرَجَعْنَا وَخَلَّفْنَا فِيكُمْ كِتَابَ اللَّهِ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ لَمْ يَحْلُ لَنَا إِلا أَنْ نُعَاطِيَكُمُ الْقِتَالَ أَوْ تَفْتَدُوا بِالْجِزَى، فَإِنْ فَعَلْتُمْ وَإِلا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْرَثَنَا أرضكم وابناءكم وأموالكم.

فاقبلوا نصيحتنا، فو الله لإِسْلامُكُمْ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ غَنَائِمِكُمْ، وَلَقِتَالُكُمْ بَعْدُ أحب مِنْ صُلْحِكُمْ وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ رَثَاثَتِنَا وَقِلَّتِنَا فَإِنَّ أَدَاتَنَا الطَّاعَةُ، وَقِتَالَنَا الصَّبْرُ وَأَمَّا مَا ضَرَبْتُمْ لَنَا مِنَ الأَمْثَالِ، فَإِنَّكُمْ ضَرَبْتُمْ لِلرِّجَالِ وَالأُمُورِ الْجِسَامِ وَلِلجِّدِ الْهَزْلِ، وَلَكِنَّا سَنَضْرَبُ مَثَلَكُمْ، إِنَّمَا مَثَلُكُمْ مَثَلُ رَجُلٍ غَرَسَ أَرْضًا، وَاخْتَارَ لَهَا الشَّجَرَ وَالْحَبَّ، وَأَجْرَى إِلَيْهَا الأَنْهَارَ، وزينها بالقصور، واقام فيها فلا حين يَسْكُنُونَ قُصُورَهَا، وَيَقُومُونَ عَلَى جَنَّاتِهَا، فَخَلا الْفَلاحُونَ فِي الْقُصُورِ عَلَى مَا لا يُحِبُّ، وَفِي الْجِنَانِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَأَطَالَ نَظْرَتَهُمْ، فَلَمَّا لَمْ يَسْتَحْيُوا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمُ، اسْتَعْتَبَهُمْ فَكَابَرُوهُ، فَدَعَا

<<  <  ج: ص:  >  >>