فضاق عليه الجحر، ولم يطق الخروج، فشكا القلق إلى أصحابه، وسألهم المخرج، فقلن له: ما أنت بخارج منها حتى تعود كما كنت قبل أن تدخل، فكف وجوع نفسه، وبقي في الخوف، حتى إذا عاد كما كان قبل أن يدخلها أتى عليه صاحب الجرة فقتله فاخرجوا ولا يكونن هذا لكم مثلا.
كَتَبَ إِلَيَّ السري، عن شعيب، عن سيف، عن النضر، عن ابن الرفيل، عن أبيه، قال: وقال: لم يخلق اللَّه خلقا أولع من ذباب ولا أضر، ما خلاكم يا معشر العرب، ترون الهلاك ويدليكم فيه الطمع، وسأضرب لكم مثلكم: إن الذباب إذا رأى العسل طار، وقال: من يوصلني إليه وله درهمان حتى يدخله؟ لا ينهنهه أحد إلا عصاه، فإذا دخله غرق ونشب وقال: من يخرجني وله أربعة دراهم؟ وقال أيضا: إنما مثلكم مثل ثعلب دخل جحرا وهو مهزول ضعيف إلى كرم، فكان فيه يأكل ما شاء اللَّه، فرآه صاحب الكرم، ورأى ما به، فرحمه، فلما طال مكثه في الكرم وسمن، وصلحت حاله، وذهب ما كان به من الهزال أشر، فجعل يعبث بالكرم ويفسد أكثر مما يأكل، فاشتد على صاحب الكرم، فقال: لا أصبر على هذا من أمر هذا، فأخذ له خشبة واستعان عليه غلمانه، فطلبوه وجعل يراوغهم في الكرم، فلما رأى أنهم غير مقلعين عنه، ذهب ليخرج من الجحر الذي دخل منه، فنشب اتسع عليه وهو مهزول، وضاق عليه وهو سمين، فجاءه وهو على تلك الحال صاحب الكرم، فلم يزل يضربه حتى قتله، وقد جئتم وأنتم مهازيل، وقد سمنتم شيئا من سمن، فانظروا كيف تخرجون! وقال أيضا: إن رجلا وضع سلا، وجعل طعامه فيه، فأتى الجرذان، فخرقوا سله، فدخلوا فيه فأراد سده، فقيل له:
لا تفعل، إذا يخرقنه، ولكن انقب بحياله، ثم اجعل فيها قصبة مجوفة، فإذا جاءت الجرذان دخلن من القصبة وخرجن منها، فكلما طلع عليكم جرذ قتلتموه وقد سددت عليكم، فإياكم أن تقتحموا القصبة، فلا يخرج منها أحد إلا قتل، وما دعاكم إلى ما صنعتم، ولا أرى عددا ولا عدة!