الْعِرَاقَ، وَالْمُسْلِمُونَ مِنْ نَاحِيَتِهِ الأُخْرَى مِمَّا يَلِي الْحِجَازَ فِيمَا بَيْنَ الْقَادِسِيَّةِ وَالْعُذَيْبِ، فَكَلَّمَهُ رُسْتُمُ، فَقَالَ: إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ كُنْتُمْ أَهْلَ شَقَاءٍ وَجَهْدٍ، وَكُنْتُمْ تَأْتُونَنَا مِنْ بَيْنَ تَاجِرٍ وَأَجِيرٍ وَوَافِدٍ، فَأَكَلْتُمْ مِنْ طَعَامِنَا، وَشَرِبْتُمْ مِنْ شَرَابِنَا، وَاسْتَظْلَلْتُمْ مِنْ ظِلالِنَا، فَذَهَبْتُمْ فَدَعَوْتُمْ أَصْحَابَكُمْ، ثُمَّ أَتَيْتُمُونَا بِهِمْ، وَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ مَثَلُ رَجُلٍ كَانَ لَهُ حَائِطٌ مِنْ عِنَبٍ، فَرَأَى فِيهِ ثَعْلَبًا وَاحِدًا، فَقَالَ: مَا ثَعْلَبٌ وَاحِدٌ! فَانْطَلَقَ الثَّعْلَبُ، فَدَعَا الثَّعَالِبَ إِلَى الْحَائِطِ، فَلَمَّا اجْتَمَعْنَ فِيهِ جَاءَ الرَّجُلُ فَسَدَّ الْجُحْرَ الَّذِي دَخَلْنَ مِنْهُ، ثُمَّ قَتَلَهُنَّ جَمِيعًا.
وَقَدْ أَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي حَمَلَكُمْ عَلَى هَذَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ الْجَهْدُ الَّذِي قَدْ أَصَابَكُمْ، فَارْجِعُوا عَنَّا عَامَكُمْ هَذَا، فَإِنَّكُمْ قَدْ شَغَلْتُمُونَا عَنْ عِمَارَةِ بِلادِنَا، وَعَنْ عَدُوِّنَا، وَنَحْنُ نُوقِرُ لَكُمْ رَكَائِبَكُمْ قَمْحًا وَتَمْرًا، وَنَأْمُرُ لَكُمْ بِكِسْوَةٍ، فَارْجِعُوا عَنَّا عَافَاكُمُ اللَّهُ! فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: لا تَذْكُرْ لَنَا جَهْدًا إِلا وَقَدْ كُنَّا فِي مِثْلِهِ أَوْ أَشَدَّ مِنْهُ، أَفْضَلُنَا فِي أَنْفُسِنَا عَيْشًا الَّذِي يَقْتُلُ ابْنَ عَمِّهِ، وَيَأْخُذُ مَالَهُ فَيَأْكُلُهُ، نَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَالْعِظَامَ، فَلَمْ نَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ فِينَا نَبِيًّا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ وَإِلَى مَا بَعَثَهُ بِهِ، فَصَدَّقَهُ مِنَّا مُصَدِّقٌ، وَكَذَّبَهُ مِنَّا آخَرُ، فَقَاتَلَ مَنْ صَدَّقَهُ مَنْ كَذَّبَهُ، حَتَّى دَخَلْنَا فِي دِينِهِ، مِنْ بَيْنَ مُوقِنٍ بِهِ، وَبَيْنَ مَقْهُورٍ، حَتَّى اسْتَبَانَ لَنَا أَنَّهُ صَادِقٌ، وَأَنَّهُ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
فَأَمَرَنَا أَنْ نُقَاتِلَ مَنْ خَالَفَنَا، وَأَخْبَرَنَا أَنَّ مَنْ قُتِلَ مِنَّا عَلَى دِينِهِ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ عَاشَ مَلِكٌ وَظَهَرَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ، فَنَحْنُ نَدْعُوكَ إِلَى أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَتَدْخُلَ فِي دِينِنَا، فَإِنْ فَعَلْتَ كَانَتْ لَكَ بِلادُكَ، لا يَدْخُلُ عَلَيْكَ فِيهَا إِلا مَنْ أَحْبَبْتَ، وَعَلَيْكَ الزَّكَاةُ وَالْخُمُسُ، وَإِنْ أَبَيْتَ ذَلِكَ فَالْجِزْيَةُ، وَإِنْ أَبَيْتَ ذَلِكَ قَاتَلْنَاكَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ.
قَالَ لَهُ رُسْتُمُ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي أَعِيشُ حَتَّى أَسْمَعَ مِنْكُمْ هَذَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ.
لا أُمْسِي غَدًا حَتَّى أَفْرَغَ مِنْكُمْ وَأَقْتُلَكُمْ كُلَّكُمْ ثُمَّ أَمَرَ بِالْعَتِيقِ أَنْ يسكر، فَبَاتَ لَيْلَتَهُ يسكر بِالْبَرَاذِعِ وَالتّرَابِ وَالْقَصَبِ حَتَّى أَصْبَحَ، وَقَدْ تَرَكَهُ طَرِيقًا مُهِيعًا، وَتَعَبَّى لَهُ الْمُسْلِمُونَ، فَجَعَلَ سَعْدٌ عَلَى جَمَاعَةِ النَّاسِ خَالِدَ بْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute