ائذن للناس في قتالهم، فقال لهم النعمان: رويدا رويدا! قالوا له ذلك مرارا، فأجابهم بمثل ذلك مرارا: رويدا رويدا، فقال المغيرة: لو أن هذا الأمر إلي علمت ما أصنع! فقال: رويدا ترى أمرك، وقد كنت تلي الأمر فتحسن، فلا يخذلنا اللَّه ولا إياك، ونحن نرجو في المكث مثل الذي ترجو في الحث.
وجعل النعمان ينتظر بالقتال إكمال ساعات كانت أحب إلى رسول اللَّه ص في القتال أن يلقى فيها العدو، وذلك عند الزوال وتفيؤ الأفياء ومهب الرياح فلما كان قريبا من تلك الساعة تحشحش النعمان، وسار في الناس على برذون أحوى قريب من الأرض، فجعل يقف على كل راية، ويحمد اللَّه ويثني عليه، ويقول: قد علمتم ما أعزكم اللَّه به من هذا الدين، وما وعدكم من الظهور، وقد أنجز لكم هوادي ما وعدكم وصدوره، وإنما بقيت أعجازه وأكارعه، والله منجز وعده، ومتبع آخر ذلك أوله، واذكروا ما مضى إذ كنتم أذلة، وما استقبلتم من هذا الأمر وأنتم أعزة، فأنتم اليوم عباد اللَّه حقا وأولياؤه، وقد علمتم انقطاعكم من إخوانكم من أهل الكوفة، والذي لهم في ظفركم وعزكم، والذي عليهم في هزيمتكم وذلكم، وقد ترون من أنتم بإزائه من عدوكم، وما أخطرتم وما أخطروا لكم، فأما ما أخطروا لكم فهذه الرثة وما ترون من هذا السواد، وأما ما أخطرتم لهم فدينكم وبيضتكم، ولا سواء ما أخطرتم وما أخطروا، فلا يكونن على دنياهم أحمى منكم على دينكم، واتقى اللَّه عبد صدق اللَّه، وأبلى نفسه فأحسن البلاء، فإنكم بين خيرين منتظرين، إحدى الحسنيين، من بين شهيد حي مرزوق، أو فتح قريب وظفر يسير فكفى كل رجل ما يليه، ولم يكل قرنه إلى أخيه، فيجتمع عليه قرنه وقرن نفسه، وذلك من الملأمة، وقد يقاتل الكلب عن صاحبه، فكل رجل منكم مسلط على ما يليه، فإذا قضيت أمري فاستعدوا فإني مكبر ثلاثا، فإذا كبرت التكبيرة الأولى فليتهيأ من لم يكن تهيأ، فإذا كبرت الثانية فليشد عليه سلاحه،