فِعْلَ صَاحِبِهِ الأَوَّلِ، ثُمَّ وَقَفَ دُونَهُ فَحَمَلَ عَلَيْهِ الأَحْنَفُ، فَاخْتَلَفَا طَعْنَتَيْنِ، فَطَعَنَهُ الأَحْنَفُ فَقَتَلَهُ وَهُوَ يَرْتَجِزُ:
إِنَّ الرَّئِيسِ يَرْتَبِي وَيَطْلَعُ ... وَيَمْنَعُ الْخَلاءَ إِمَّا أَرْبَعُوا
ثُمَّ وَقَفَ مَوْقِفَ التُّرْكِيِّ الثَّانِي، وَأَخَذَ طَوْقَهُ، ثُمَّ خَرَجَ ثَالِثٌ مِنَ التُّرْكِ، فَفَعَلَ فِعْلَ الرَّجُلَيْنِ، وَوَقَفَ دُونَ الثَّانِي مِنْهُمَا، فَحَمَلَ عَلَيْهِ الأَحْنَفُ، فَاخْتَلَفَا طَعْنَتَيْنِ، فَطَعَنَهُ الأَحْنَفُ، فَقَتَلَهُ وَهُوَ يَرْتَجِزُ:
جَرْيُ الشُّمُوسِ نَاجِزًا بِنَاجِزِ ... مُحْتَفِلا فِي جَرْيِهِ مُشَارِزِ
ثُمَّ انْصَرَفَ الأَحْنَفُ إِلَى عَسْكَرِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى دَخَلَهُ وَاسْتَعَدَّ وَكَانَ مِنْ شِيمَةِ التُّرْكِ أَنَّهُمْ لا يَخْرُجُونَ حَتَّى يَخْرُجُ ثَلاثَةٌ مِنْ فُرْسَانِهِمْ كَهُؤلاءِ، كُلِّهِمْ يَضْرِبُ بِطَبْلِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ بَعْدَ خُرُوجِ الثَّالِثِ، فَخَرَجَتِ التُّرْكُ لَيْلَتَئِذٍ بَعْدَ الثَّالِثِ، فَأَتَوْا عَلَى فُرْسَانِهِمْ مُقَتَّلِينَ، فَتَشَاءَمَ خَاقَانُ وَتَطَيَّرَ، فَقَالَ: قَدْ طَالَ مُقَامُنَا، وَقَدْ أُصِيبَ هَؤُلاءِ الْقَوْمُ بِمَكَانٍ لَمْ يُصَبْ بِمِثْلِهِ قَطُّ، مَا لَنَا فِي قِتَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ مِنْ خَيْرٍ، فَانْصَرَفُوا بِنَا، فَكَانَ وُجُوهُهُمْ رَاجِعِينَ، وَارْتَفَعَ النَّهَارُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلا يَرَوْنَ شَيْئًا، وَأَتَاهُمُ الْخَبَرُ بِانْصِرَافِ خَاقَانَ إِلَى بَلْخَ وَقَدْ كَانَ يَزْدَجَرْدُ بْنُ شَهْرَيَارَ بْنِ كِسْرَى تَرَكَ خَاقَانَ بِمَرْوِ الرُّوذِ، وَخَرَجَ إِلَى مَرْوِ الشَّاهِجَانِ، فَتَحَصَّنَ منه حاتم بْنُ النُّعْمَانِ وَمَنْ مَعَهُ، فَحَصَرَهُمْ وَاسْتَخْرَجَ خَزَائِنَهُ مِنْ مَوْضِعِهَا، وَخَاقَانُ بِبَلْخَ مُقِيمٌ لَهُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ لِلأَحْنَفِ: مَا تَرَى فِي اتِّبَاعِهِمْ؟ فَقَالَ: أَقِيمُوا بِمَكَانِكُمْ وَدَعُوهُمْ وَلَمَّا جَمَعَ يَزْدَجَرْدُ مَا كَانَ فِي يَدَيْهِ مِمَّا وَضَعَ بِمَرْوَ، فَأَعْجَلَ عَنْهُ، وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِهِ مِنْهَا، إِذْ هُوَ أَمْرٌ عَظِيمٌ مِنْ خَزَائِنِ أَهْلِ فَارِسَ، وَأَرَادَ اللِّحَاقَ بِخَاقَانَ فَقَالَ لَهُ أَهْلُ فَارِسَ أَيُّ شَيْءٍ تُرِيدُ أَنْ تَصْنَعَ؟ فَقَالَ:
أُرِيدُ اللِّحَاقَ بِخَاقَانَ فَأَكُونُ مَعَهُ أَوْ بِالصِّينِ، فَقَالُوا لَهُ: مَهْلا، فَإِنَّ هَذَا رَأْيُ سُوءٍ، إِنَّكَ إِنَّمَا تَأْتِي قَوْمًا فِي مَمْلَكَتِهِمْ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَقَوْمَكَ، وَلَكِنِ ارْجِعْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute