بِنَا إِلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ فَنُصَالِحَهُمْ، فَإِنَّهُمْ أَوْفِيَاءُ وَأَهْلُ دِينٍ، وَهُمْ يَلُونَ بِلادَنَا، وَإِنَّ عَدُوًّا يَلِينَا فِي بِلادِنَا أَحَبُّ إِلَيْنَا مَمْلَكَةً مِنْ عَدُوٍّ يَلِينَا فِي بِلادِهِ وَلا دِينَ لَهُمْ، وَلا نَدْرِي مَا وَفَاؤُهُمْ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ وَأَبَوْا عَلَيْهِ، فَقَالُوا: فَدَعْ خَزَائِنَنَا نَرُدَّهَا إِلَى بِلادِنَا ومن يليها، ولا تخرجها من بلادها إِلَى غَيْرِهَا، فَأَبَى، فَقَالُوا:
فَإِنَّا لا نَدَعُكَ، فَاعْتَزَلُوا وَتَرَكُوهُ فِي حَاشِيَتِهِ، فَاقْتَتَلُوا، فَهَزَمُوهُ وَأَخَذُوا الْخَزَائِنَ، وَاسْتَوْلُوا عَلَيْهَا وَنَكَبُوهُ، وَكَتَبُوا إِلَى الأَحْنَفِ بِالْخَبَرِ، فَاعْتَرَضَهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ بِمَرْوَ يَثْفِنُونَهُ، فَقَاتَلُوهَ وَأَصَابُوهُ فِي آخِرِ الْقَوْمِ، وَأَعْجَلُوهُ عَنِ الأَثْقَالِ، وَمَضَى مُوَائِلا حَتَّى قَطَعَ النَّهْرَ إِلَى فَرْغَانَةَ وَالتُّرْكِ، فَلَمْ يَزَلْ مُقِيمًا زَمَانَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُلَّهُ يُكَاتِبُهُمْ وَيُكَاتِبُونَهُ، أَوْ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْهُمْ فَكَفَرَ أَهْلُ خُرَاسَانَ زَمَانَ عُثْمَانَ وَأَقْبَلَ أَهْلُ فَارِسَ عَلَى الأَحْنَفِ فَصَالَحُوهُ وَعَاقَدُوهُ، وَدَفَعُوا إِلَيْهِ تِلْكَ الْخَزَائِنَ وَالأَمْوَالَ، وَتَرَاجَعُوا إِلَى بُلْدَانِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ عَلَى أَفْضَلِ مَا كَانُوا فِي زَمَانِ الأَكَاسِرَةِ، فَكَانُوا كَأَنَّمَا هُمْ فِي مُلْكِهِمْ، إِلا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَوْفَى لَهُمْ وَأَعْدَلُ عَلَيْهِمْ، فَاغْتَبَطُوا وَغُبِطُوا، وَأَصَابَ الْفَارِسُ يَوْمَ يَزْدَجَرْدَ كَسَهْمِ الْفَارِسِ يَوْمِ الْقَادِسِيَّةِ.
وَلَمَّا خَلَعَ أَهْلُ خُرَاسَانَ زَمَانَ عُثْمَانَ أَقْبَلَ يَزْدَجَرْدُ حَتَّى نَزَلَ بِمَرْوَ، فَلَمَّا اخْتَلَفَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ وَأَهْلُ خُرَاسَانَ أَوَى إِلَى طَاحُونَةٍ، فَأَتَوْا عَلَيْهِ يَأْكُلُ من كرد حول الرحا، فَقَتَلُوهُ ثُمَّ رَمَوْا بِهِ فِي النَّهْرِ.
وَلَمَّا أُصِيبَ يَزْدَجَرْدُ بِمَرْوَ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُخْتَبِئٌ فِي طَاحُونَةٍ يُرِيدُ أَنْ يَطْلُبَ اللِّحَاقَ بِكَرْمَانَ- فَاحْتَوَى فَيْئَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، وَبَلَغَ ذَلِكَ الأَحْنَفَ، فَسَارَ مِنْ فَوْرِهِ ذَلِكَ فِي النَّاسِ إِلَى بَلْخَ يُرِيدُ خَاقَانَ، وَيَتْبَعُ حَاشِيَةَ يَزْدَجَرْدَ وَأَهْلَهُ فِي الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ، وَخَاقَانُ وَالتُّرْكُ ببلخ فلما سمع بما القى يَزْدَجَرْدُ وَبِخُرُوجِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الأَحْنَفِ مِنْ مَرْوِ الرُّوذِ نَحْوَهُ، تَرَكَ بَلْخَ وَعَبَرَ النَّهْرَ، وَأَقْبَلَ الأَحْنَفُ حَتَّى نَزَلَ بَلْخَ، وَنَزَلَ أَهْلُ الْكُوفَةِ فِي كُوَرِهَا الأَرْبَعِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَرْوِ الرُّوذِ فَنَزَلَ بِهَا، وَكَتَبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute