وَكَتَبَ إِلَيْهِ مَلِكُ الرُّومِ: مَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَرْبَعُ أَصَابِعٍ الْحَقُّ، فِيمَا يُرَى عِيَانًا، وَالْبَاطِلُ كَثِيرًا يُسْتَمَعُ بِهِ فِيمَا لَمْ يُعَايَنْ.
وَكَتَبَ إِلَيْهِ مَلِكُ الرُّومِ يَسْأَلُهُ عَمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَبَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، فكتب اليه: مسيره خمسمائة عَامٍ لِلْمُسَافِرِ، لَوْ كَانَ طَرِيقًا مَبْسُوطًا.
قَالَ: وبَعَثَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى مَلِكَةِ الرُّومِ بِطِيبٍ وَمَشَارِبَ وَأَحْفَاشٍ مِنْ أَحْفَاشِ النِّسَاءِ، وَدَسَّتْهُ إِلَى الْبَرِيدِ، فَأَبْلَغَهُ لَهَا، وَأَخَذَ مِنْهُ وَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِرَقْل، وَجَمَعَتْ نِسَاءَهَا، وَقَالَتْ: هَذِهِ هَدِيَّةُ امْرَأَةِ مَلِكِ الْعَرَبِ، وَبِنْتِ نَبِيِّهِمْ، وَكَاتَبَتْهَا وَكَافَأَتْهَا، وَأَهْدَتْ لَهَا، وَفِيمَا أَهْدَتْ لَهَا عِقْدٌ فَاخِرٌ فَلَمَّا انْتَهَى بِهِ الْبَرِيدُ إِلَيْهِ أَمَرَهُ بِإِمْسَاكِهِ، وَدَعَا: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ، فَاجْتَمَعُوا، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لا خَيْرَ فِي أَمْرٍ أُبْرِمَ عَنْ غَيْرِ شُورَى مِنْ أُمُورِي، قُولُوا فِي هَدِيَّةٍ أَهْدَتْهَا أُمُّ كُلْثُومٍ لامْرَأَةِ مَلِكِ الرُّومِ، فَأَهْدَتْ لَهَا امْرَأَةُ مَلِكِ الرُّومِ، فَقَالَ قَائِلُونَ: هُوَ لَهَا بِالَّذِي لَهَا، وَلَيْسَتِ امْرَأَةُ الْمَلِكِ بِذِمَّةٍ فَتُصَانِعُ بِهِ، وَلا تَحْتَ يَدِكَ فَتَتَّقِيكَ.
وَقَالَ آخَرُونَ: قَدْ كُنَّا نُهْدِي الثِّيَابَ لِنَسْتَثِيبَ، وَنَبْعَثَ بِهَا لِتُبَاعَ، وَلِنُصِيبَ ثَمَنًا فَقَالَ: وَلَكِنَّ الرَّسُولَ رَسُولُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْبَرِيدَ بَرِيدُهُمْ، وَالْمُسْلِمُونَ عَظَّمُوهَا فِي صَدْرِهَا فَأَمَرَ بِرَدِّهَا إِلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَرُدَّ عَلَيْهَا بِقَدْرِ نَفَقَتِهَا.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ أَبِي حَارِثَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ غَزَا فِي الْبَحْرِ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ زَمَانَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَقَدْ كَانَ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ فِيهِ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ، فَلَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ لَمْ يَزَلْ بِهِ مُعَاوِيَةُ، حَتَّى عَزَمَ عُثْمَانُ عَلَى ذَلِكَ بِآخِرَةٍ، وَقَالَ: لا تَنْتَخِبِ النَّاسَ، وَلا تَقْرَعْ بَيْنَهُمْ، خَيِّرْهُمْ، فَمَنِ اخْتَارَ الْغَزْوَ طَائِعًا فَاحْمِلْهُ وَأَعِنْهُ، فَفَعَلَ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْبَحْرِ عَبْدَ اللَّهِ بن قيس الجاسي حَلِيفَ بَنِي فَزَارَةَ، فَغَزَا خَمْسِينَ غَزَاةً مِنْ بَيْنِ شَاتِيَةٍ وَصَائِفَةٍ فِي الْبَحْرِ، وَلَمْ يَغْرَقْ فِيهِ أَحَدٌ وَلَمْ يَنْكَبْ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute