للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ يَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَهُ الْعَافِيَةَ فِي جُنْدِهِ، وَأَلا يَبْتَلِيَهُ بِمُصَابِ أَحَدٍ مِنْهُمْ، فَفَعَلَ، حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُ وَحْدَهُ، خَرَجَ فِي قَارِبِ طَلِيعَةٍ، فَانْتَهَى إِلَى الْمَرْقَى مِنْ أَرْضِ الرُّومِ، وَعَلَيْهِ سُؤَّالٌ يَعْتَرُّونَ بِذَلِكَ الْمَكَانِ، فَتَصَدَّقْ عَلَيْهِمْ، فَرَجَعَتِ امْرَأَةٌ مِنَ السُّؤَّالِ إِلَى قَرْيَتِهَا، فَقَالَتْ لِلرِّجَالِ: هَلْ لَكُمْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ؟ قَالُوا: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَتْ: فِي الْمَرْقَى، قَالُوا: أَيْ عَدُوَّةَ اللَّهِ! وَمِنْ أَيْنَ تَعْرِفِينَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ؟ فَوَبَّخَتْهُمْ، وَقَالَتْ: أَنْتُمْ أَعْجَزُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَبْدَ اللَّهِ عَلَى أَحَدٍ فَثَارُوا إِلَيْهِ، فَهَجَمُوا عَلَيْهِ، فَقَاتَلُوهُ وَقَاتَلَهُمْ، فَأُصِيبَ وَحْدَهُ، وَأَفْلَتَ الْمَلاحُ حَتَّى أَتَى أَصْحَابَهُ، فَجَاءُوا حَتَّى أَرِقُوا، وَالْخَلِيفَةُ مِنْهُمْ سُفْيَانُ بْنُ عَوْفٍ الأَزْدِيُّ، فَخَرَجَ فَقَاتَلَهُمْ، فَضَجَرَ وَجَعَلَ يَعْبَثُ بِأَصْحَابِهِ وَيَشْتُمُهُمْ، فَقَالَتْ جَارِيَةُ عبد الله: وا عبد اللَّهِ، مَا هَكَذَا كَانَ يَقُول حِينَ يُقَاتِلُ! فَقَالَ سُفْيَانُ: وَكَيْفَ كَانَ يَقُولُ؟ قَالَتِ:

الْغَمَرَاتُ ثُمَّ يَنْجِلِينَا.

فَتَرَكَ مَا كَانَ يَقُولُ، وَلَزِمَ: الْغَمَرَات ثُمَّ يَنْجَلِينَا وَأُصِيبَ فِي الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ، وَذَلِكَ آخِرُ زَمَانِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الجاسي، وَقِيلَ لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ بَعْدُ:

بِأَيِّ شَيْءٍ عَرَفْتِيهِ؟ قَالَتْ: بِصَدَقَتِهِ، أَعْطَى كَمَا يُعْطِي الْمُلُوكُ، وَلَمْ يَقْبِضْ قَبْضَ التُّجَّارِ.

وَكَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شعيب، عن سيف، عن أبي حارثة وأبي عُثْمَانَ، قَالا: قيل لتلك المرأة الَّتِي استثارت الروم عَلَى عَبْد اللَّهِ بن قيس:

كيف عرفته؟ قالت: كَانَ كالتاجر، فلما سألته أعطاني كالملك، فعرفت أنه عَبْد اللَّهِ بن قيس.

وكتب إِلَى مُعَاوِيَةَ والعمال: أَمَّا بَعْدُ، فقوموا عَلَى مَا فارقتم عَلَيْهِ عمر، وَلا تبدلوا، ومهما أشكل عَلَيْكُمْ، فردوه إلينا نجمع عَلَيْهِ الأمة، ثُمَّ نرده

<<  <  ج: ص:  >  >>