وَقَالَ آخرون فِي ذَلِكَ مَا ذكر هِشَام بن مُحَمَّدٍ، أنه ذكر لَهُ أن يزدجرد هرب بعد وقعة نهاوند، وكانت آخر وقعاتهم حَتَّى سقط إِلَى أرض إصبهان، وبها رجل يقال لَهُ مطيار من دهاقينها- وَهُوَ المنتدب كَانَ لقتال العرب حين نكلت الأعاجم عنها- فدعاهم إِلَى نفسه، فَقَالَ: إن وليت أموركم وسرت بكم إِلَيْهِم مَا تجعلون لي؟ فَقَالُوا: نقر لك بفضلك فسار بهم، فأصاب من العرب شَيْئًا يسيرا، فحظي بِهِ عندهم، ونال بِهِ أفضل الدرجات فِيهِمْ.
فلما رَأَى يزدجرد أمر إصبهان ونزلها، أتاه مطيار ذات يوم زائرا، فحجبه بوابه، وَقَالَ لَهُ: قف حَتَّى أستأذن لك عَلَيْهِ، فوثب عَلَيْهِ فشجه أنفة وحمية لحجبه إِيَّاهُ، ودخل البواب عَلَى يزدجرد مدمى، فلما نظر إِلَيْهِ أفظعه ذَلِكَ، وركب من ساعته مرتحلا عن إصبهان، وأشير عَلَيْهِ أن يأتي أقصى مملكته فيكون بِهَا، لاشتغال العرب عنه بِمَا هم فِيهِ إِلَى يوم فسار متوجها إِلَى ناحية الري، فلما قدمها خرج إِلَيْهِ صاحب طبرستان، وعرض عَلَيْهِ بلاده، وأخبره بحصانتها، وَقَالَ لَهُ: إن أنت لم تجبني يومك هَذَا ثُمَّ أتيتني بعد ذَلِكَ لم أقبلك ولم آوك، فأبى عَلَيْهِ يزدجرد، وكتب لَهُ بالأصبهبذية، وَكَانَ لَهُ فِيمَا خلا عَلَيْهِ درجة أوضع منها.
وَقَالَ بعضهم: إن يزدجرد مضى من فوره ذَلِكَ إِلَى سجستان، ثُمَّ سار منها إِلَى مرو فِي ألف رجل من الأساورة.
وَقَالَ بعضهم: إن يزدجرد وقع إِلَى أرض فارس، فأقام بِهَا أربع سنين، ثُمَّ أتى أرض كَرْمَان، فأقام بِهَا سنتين أو ثلاث سنين، فطلب إِلَيْهِ دهقان كَرْمَان أن يقيم عنده، فلم يفعل، وطلب من الدهقان أن يعطيه رهينة، فلم يعطه دهقان كَرْمَان شَيْئًا، فلم يعطه مَا طلب، فأخذ برجله فسحبه وطرده عن بلاده، فوقع منها إِلَى سجستان، فأقام بِهَا نحوا من خمس سنين.
ثُمَّ أجمع أن ينزل خُرَاسَان فيجمع الجموع فِيهَا ويسير بهم إِلَى من غلبه عَلَى مملكته، فسار بمن مَعَهُ إِلَى مرو، وَمَعَهُ الرهن من أولاد الدهاقين، وَمَعَهُ من رؤسائهم فرخزاذ، فلما قدم مرو استغاث مِنْهُمْ بالملوك، وكتب إِلَيْهِم يستمدهم، وإلى صاحب الصين وملك فرغانة وملك كابل وملك الخزر