وَيَسْمُرُونَ عِنْدَهُ، وَإِنَّهُ سَمَرَ عِنْدَهُ لَيْلَةً وُجُوهُ أَهْلِ الْكُوفَةِ، مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ كَعْبٍ الأَرْحَبِيُّ، وَالأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَعَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ النَّخْعِيَّانِ، وَفِيهِمْ مَالِكٌ الأَشْتَرُ فِي رِجَالٍ، فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنَّمَا هَذَا السَّوَادُ بُسْتَانٌ لِقُرَيْشٍ، فَقَالَ الأَشْتَرُ:
أَتَزْعُمُ أَنَّ السَّوَادَ الَّذِي أَفَاءَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا بِأَسْيَافِنَا بُسْتَانٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ! وَاللَّهِ مَا يَزِيدُ أَوْفَاكُمْ فِيهِ نَصِيبًا إِلا أَنْ يَكُونَ كَأَحَدِنَا، وَتَكَلَّمَ مَعَهُ الْقَوْمُ.
قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَسَدِيُّ- وَكَانَ عَلَى شُرْطَةِ سَعِيدٍ:
أَتَرُدُّونَ عَلَى الأَمِيرِ مَقَالَتَهُ! وَأَغْلَظَ لَهُمْ، فَقَالَ الأَشْتَرُ: مِنْ هَاهُنَا! لا يَفُوتَنَّكُمُ الرَّجُلَ، فَوَثَبُوا عَلَيْهِ فَوَطَئُوهُ وطأ شَدِيدًا، حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ جُرَّ بِرِجْلِهِ فَأُلْقِيَ، فَنُضِحَ بِمَاءٍ فَأَفَاقَ، فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ: أَبِكَ حَيَاةٌ؟ فَقَالَ:
قَتَلَنِي مَنِ انْتَخَبْتُ- زَعَمْت- لِلإِسْلامِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لا يَسْمُرُ مِنْهُمْ عِنْدِي أَحَدٌ أَبَدًا، فَجَعَلُوا يَجْلِسُونَ فِي مَجَالِسِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ يَشْتِمُونَ عُثْمَانَ وَسَعِيدًا، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِمْ، حَتَّى كَثُرَ مَنْ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِمْ فَكَتَبَ سَعِيدٌ إِلَى عُثْمَانَ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، وَيَقُولُ: إِنَّ رَهْطًا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ- سَمَّاهُمْ لَهُ عَشَرَةً- يُؤَلِّبُونَ وَيَجْتَمِعُونَ عَلَى عَيْبِكَ وَعَيْبِي وَالطَّعْنِ فِي دِينِنَا، وَقَدْ خَشِيتُ إِنْ ثَبُتَ أَمْرُهُمْ أَنْ يَكْثُرُوا، فَكَتَبَ عُثْمَانُ إِلَى سَعِيدٍ: أَنْ سَيِّرْهُمْ إِلَى مُعَاوِيَةَ- وَمُعَاوِيَةُ يَوْمَئِذٍ عَلَى الشَّامِ- فَسَيَّرَهُمْ- وَهُمْ تِسْعَةُ نَفَرٍ- إِلَى مُعَاوِيَةَ، فِيهِمْ مَالِكٌ الأَشْتَرُ، وَثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مُنَقَّعٍ، وَكُمَيْلُ بْنُ زِيَادٍ النَّخَعِيُّ، وَصَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ.
ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ السَّرِيِّ، عَنْ شُعَيْبٍ، إِلا أَنَّهُ قَالَ: فقال صعصعة:
فان اخترقت الجنه، افليس يَخْلُصُ إِلَيْنَا؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّ الْجُنَّةَ لا تُخْتَرَقُ، فَضَعْ أَمْرَ قُرَيْشٍ عَلَى أَحْسَنَ مَا يَحْضُرُكَ.
وَزَادَ فِيهِ أَيْضًا: إِنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا عَادَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْقَابِلَةِ وَذَكَّرَهُمْ، قَالَ فِيمَا يَقُولُ: وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا آمُرُكُمْ بِشَيْءٍ إِلا قَدْ بَدَأْتُ فِيهِ بِنَفْسِي وَأَهْلِ بَيْتِي وَخَاصَّتِي، وَقَدْ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ أَكْرَمَهَا وَابْنَ أَكْرَمِهَا، إِلا مَا جَعَلَ اللَّهُ لنبيه نبى الرحمه ص، فَإِنَّ اللَّهَ انْتَخَبَهُ وَأَكْرَمَهُ، فَلَمْ يَخْلُقْ فِي أَحَدٍ مِنَ الأَخْلاقِ الصَّالِحَةِ شَيْئًا إِلا أَصْفَاهُ اللَّهُ بِأَكْرَمِهَا وَأَحْسَنِهَا، وَلَمْ يَخْلُقْ مِنَ الأَخْلاقِ السَّيِّئَةِ شَيْئًا فِي أَحَدٍ إِلا أَكْرَمَهُ اللَّهُ عنها وَنَزَّهَهُ، وَإِنِّي لأَظُنُّ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute