عكرمه: فقلت لابن عباس: او كانا حَصْرَيْنِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَعَمْ، الْحَصْرُ الأَوَّلُ، حَصْرُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ- وَقَدِمَ الْمِصْرِيُّونَ فَلَقِيَهُمْ عَلِيٌّ بِذِي خَشَبٍ، فَرَدَّهُمْ عَنْهُ، وَقَدْ كَانَ وَاللَّهِ عَلِيٌّ لَهُ صَاحِبُ صِدْقٍ، حَتَّى أَوْغَرَ نَفْسَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ، جَعَلَ مَرْوَانُ وَسَعِيدٌ وَذَوُوهُمَا يَحْمِلُونَهُ عَلَى عَلِيٍّ فَيَتَحَمَّلُ، وَيَقُولُونَ: لَوْ شَاءَ مَا كَلَّمَكَ أَحَدٌ، وَذَلِكَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يُكَلِّمُهُ وَيَنْصَحُهُ وَيَغْلُظُ عَلَيْهِ فِي الْمَنْطِقِ فِي مَرْوَانَ وَذَوِيهِ، فَيَقُولُونَ لِعُثْمَانَ: هَكَذَا يَسْتَقْبِلُكَ وَأَنْتَ إِمَامُهُ وَسَلَفُهُ وَابْنُ عَمِّهِ وَابْنُ عَمَّتِهِ، فَمَا ظَنُّكَ بِمَا غَابَ عَنْكَ مِنْهُ! فَلَمْ يَزَالُوا بِعَلِيٍّ حَتَّى أَجْمَعَ أَلا يَقُومَ دُونَهُ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ الْيَوْم الَّذِي خَرَجْتُ فِيهِ إِلَى مَكَّةَ، فَذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ عُثْمَانَ دَعَانِي إِلَى الْخُرُوجِ فَقَالَ لِي: مَا يُرِيدُ عُثْمَانُ أَنْ يَنْصَحَهُ أَحَدٌ، اتَّخَذَ بِطَانَةَ أَهْلِ غِشٍّ لَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلا قَدْ تَسَبَّبَ بِطَائِفَةٍ مِنَ الأَرْضِ يَأْكُلُ خَرَاجَهَا وَيَسْتَذِلُّ أَهْلَهَا، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ لَهُ رَحِمًا وَحَقًّا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَقُومَ دُونَهُ فَعَلْتَ، فَإِنَّكَ لا تُعْذَرُ إِلا بِذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْتُ فِيهِ الانْكِسَارَ وَالرِّقَّةَ لِعُثْمَانَ، ثُمَّ إِنِّي لأَرَاهُ يُؤْتَى إِلَيْهِ عَظِيمٌ ثُمَّ قَالَ عِكْرِمَةُ: وَسَمِعْتُ ابْنَ عباس يقول: قال لي عثمان: يا بن عَبَّاسٍ، اذْهَبْ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ بِمَكَّةَ، فَقُلْ لَهُ:
يَقْرَأُ عَلَيْكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ السَّلامُ، وَيَقُولُ لَكَ: إِنِّي مَحْصُورٌ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا يَوْمًا، لا أَشْرَبُ إِلا مِنَ الأُجَاجِ مِنْ دَارِي، وَقَدْ مُنِعْتُ بِئْرًا اشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي، رُومَةَ، فَإِنَّمَا يَشْرَبُهَا النَّاسُ وَلا أَشْرَبُ مِنْهَا شَيْئًا، وَلا آكُلُ إِلا مِمَّا فِي بَيْتِي، مُنِعْتُ أَنْ آكُلَ مِمَّا فِي السُّوقِ شَيْئًا وَأَنَا مَحْصُورٌ كَمَا تَرَى، فَآمِرْهُ وقل له:
فليحج بالناس، وليس بفاعل، فَإِنْ أَبَى فَاحْجُجْ أَنْتَ بِالنَّاسِ.
فَقَدِمْتُ الْحَجَّ فِي الْعَشْرِ، فَجِئْتُ خَالِدَ بْنَ الْعَاصِ، فَقُلْتُ لَهُ مَا قَالَ لِي عُثْمَانُ، فَقَالَ لِي: هَلْ طَاقَةٌ بِعَدَاوَةِ مَنْ تَرَى؟ فَأَبَى أَنْ يَحُجَّ وَقَالَ: فَحُجَّ أَنْتَ بِالنَّاسِ: فَأَنْتَ ابْنُ عَمِّ الرَّجُلِ، وَهَذَا الأَمْرُ لا يُفْضِي إِلا إِلَيْهِ- يَعْنِي عَلِيًّا- وَأَنْتَ أَحَقُّ أَنْ تَحْمِلَ لَهُ ذَلِكَ، فَحَجَجْتُ بِالنَّاسِ، ثُمَّ قَفَلْتُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَإِذَا عُثْمَانُ قَدْ قُتِلَ، وَإِذَا النَّاسُ يَتَوَاثَبُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute