يكذب اللَّه الظالم، ويعلم الحق أين مصيره، ولكنه جعل الدُّنْيَا دار الأعمال، وجعل الآخرة عنده هي دار القرار، ليجزي الَّذِينَ أساءوا بِمَا عملوا ويجزي الَّذِينَ أحسنوا بالحسنى أَلا انكم لاقو القوم غدا، فأطيلوا الليلة القيام، وأكثروا تلاوة القرآن، وسلوا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ النصر والصبر، والقوهم بالجد والحزم، وكونوا صادقين ثُمَّ انصرف، ووثب الناس إِلَى سيوفهم ورماحهم ونبالهم يصلحونها، ومر بهم كعب بن جعيل التغلبي وَهُوَ يقول:
أصبحت الأمة فِي أمر عجب ... والملك مجموع غدا لمن غلب
فقلت قولا صادقا غير كذب ... إن غدا تهلك أعلام العرب.
[قَالَ: فلما كَانَ من الليل خرج علي فعبى الناس ليلته كلها، حَتَّى إذا أصبح زحف بِالنَّاسِ، وخرج إِلَيْهِ مُعَاوِيَة فِي أهل الشام، فأخذ علي يقول:
من هَذِهِ القبيلة؟ ومن هَذِهِ القبيلة؟ فنسبت لَهُ قبائل أهل الشام، حَتَّى إذا عرفهم ورأى مراكزهم قَالَ للأزد: اكفوني الأزد، وَقَالَ لخثعم: اكفوني خثعم] وأمر كل قبيلة من أهل العراق أن تكفيه أختها من أهل الشام إلا أن تكون قبيلة ليس منها بِالشَّامِ أحد فيصرفها إِلَى قبيلة أخرى تكون بِالشَّامِ، ليس مِنْهُمْ بِالْعِرَاقِ واحد، مثل بجيلة لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ بِالشَّامِ إلا عدد قليل، فصرفهم إِلَى لخم ثُمَّ تناهض الناس يوم الأربعاء فاقتتلوا قتالا شديدا نهارهم كله، ثُمَّ انصرفوا عِنْدَ المساء وكل غير غالب، حَتَّى إذا كَانَ غداة الخميس صلى علي بغلس قَالَ أَبُو مخنف: حدثني عبد الرحمن بن جندب الأزدي، عن أَبِيهِ، قَالَ:
مَا رأيت عَلِيًّا غلس بالصلاة أشد من تغليسه يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ خرج بِالنَّاسِ الى اهل الشام فزحف اليهم، فكان يبدوهم فيسير إِلَيْهِم، فإذا رأوه قَدْ زحف إِلَيْهِم استقبلوه بوجوههم.
قَالَ أَبُو مخنف: حَدَّثَنِي مالك بن أعين، عن زَيْد بن وهب الجهني، أن عَلِيًّا خرج إِلَيْهِم غداة الأربعاء فاستقبلهم فَقَالَ: اللَّهُمَّ رب السقف المرفوع، المحفوظ المكفوف، الَّذِي جعلته مغيضا لليل والنهار، وجعلت